كي لا نكون نحن الغرباء

ت + ت - الحجم الطبيعي

الجدل الذي يدور هذه الأيام حول فيلم «أصحاب ولا أعز»، يشكّل في جانب منه حقاً مشروعاً للجميع، مؤيدين ومعارضين، تجاه أي عمل فني، ويشكّل في الجانب الآخر منه صورة للتناقضات التي تعيشها المجتمعات الشرقية التي تُعدّ محافظة بشكل عام، والمجتمع العربي بشكل خاص.

الفيلم الذي أحدث ضجة منذ طرحه على منصة نتفليكس بداية هذا العام، هو النسخة العربية من الفيلم الإيطالي «Strangers Perfect» للمخرج باولو جينوفيزي، وترجمته العربية «غرباء تماماً».

وهي النسخة التاسعة عشرة من الفيلم الذي أُنتِجت منه قبل النسخة العربية 18 نسخة في دول عدة ومنها فرنسا وألمانيا والصين والهند والمكسيك وإسبانيا وكوريا الجنوبية، حتى أصبح أكثر فيلم تتم إعادة إنتاجه في تاريخ السينما العالمية، ودخل بهذه الصفة موسوعة غينيس العالمية للأرقام القياسية.

ورغم هذا العدد الكبير من النسخ التي أُنتِجت من الفيلم الأصلي، إلا أننا لم نسمع أو نقرأ أنها أثارت ما أثارته النسخة العربية من جدل! رُبّ قائل يقول إن تلك المجتمعات تختلف عن مجتمعنا العربي.

ولكن يبدو لي أن في هذا القول مغالطة، أو محاولة لخداع النفس، أكثر من أن يكون فيه منطق يدعونا إلى التعامل مع مثل هذه الأمور بواقعية، بعد أن أصبحنا جزءاً من مجتمع كوني كبير منفتح على كل شيء، من خلال وسائل التواصل وأجهزة التقنية التي أدخلناها مجتمعاتنا، وأصبحنا نتعامل بها ومعها أكثر من الدول التي أنتجتها وطورتها، حتى غدت هذه الوسائل والأجهزة جزءاً من حياتنا لا نستطيع الانفكاك عنه.

الذين شاهدوا النسخة الأصلية من الفيلم، والتي تم إطلاقها في إيطاليا بتاريخ 11 فبراير 2016، وشاهدوا النسخة العربية، التي بدأ عرضها على منصة نتفليكس بتاريخ 20 يناير 2022، يدركون مدى التطابق الكبير بين النسختين، الأمر الذي يُسجَّل لصالح مخرج النسخة العربية، وسام سميرة، الذي حافظ على فكرة الفيلم الأصلي.

وهي فكرة تدور حول التحولات التي حدثت في المجتمع، بغض النظر عن الفروق بين المجتمع الإيطالي والمجتمعات الأخرى، مثلما فعل مخرجو النسخ الأخرى، لأنها في النهاية منظومة قيم تتعرض للانهيار بفعل تطور المجتمعات البشرية، وبفعل عوامل عدة موجودة في كل مجتمع، غربيّاً كان هذا المجتمع أو شرقيّاً.

أحداث الفيلم تدور حول سبعة أصدقاء يجتمعون على العشاء، ويقررون أن يلعبوا لعبة تقضي بأن يضع الجميع هواتفهم المحمولة على الطاولة، وأن يتم استقبال الرسائل أو المكالمات التي ترد إليها على مرأى ومسمع من الجميع.

اللعبة التي بدأت ممتعة وشيقة تحولت شيئاً فشيئاً إلى سيل من الفضائح والأسرار التي لم يكن يعرفها الأصدقاء السبعة عن بعضهم بعضاً، وغدت تهدد بانهيار بيوتهم وتفكك أسرهم، ليتضح في نهاية الفيلم أن الأحداث التي شاهدناها لم تحدث أصلاً، فقد رفض صاحب البيت فكرة اللعبة، لأنه لم يُرِد أن يعرّض للدمار أحداً من أصدقائه الذين دعاهم لمشاهدة خسوف القمر ليلتها في بيته.

وحينما سألته زوجته، بعد مغادرة ضيوفهما، عن سبب رفضه للفكرة، وكان في سؤالها نبرة شك في أن يكون هاتفه يحمل أسراراً، قال لها إنهم كانوا سينكسرون. ورفع هاتفه النقال قائلاً إن كل أسرارنا أصبحت داخله، وإننا لا نستطيع أن نلعب معه، لأننا لا نعرف في أي لحظة سينفجر. ثم وضع هاتفه أمامها على الطاولة وهو مفتوح، قبل أن يغادر الغرفة.

لسنا في مجال الدفاع عن الفيلم أو مهاجمته، فقد تعرض للهجوم والدفاع من قبل كثيرين، فهذه دائرة يصعب الخروج منها. ولكننا نريد أن نقول إن الفيلم الأصلي لا يتحدث عن مجتمعنا العربي، وإن النسخة العربية التي شاهدناه لا تعدو كونها (Remake) بمصطلح السينمائيين للفيلم الإيطالي.

وإننا لا نستطيع أن نعيش بمعزل عن العالم، طالما ارتضينا لأنفسنا أن نكون جزءاً من هذه المنظومة التي تتأثر بكل ما يجري حولها. اللافت للنظر أن أغلب الانتقادات انصبت على بعض المشاهد والألفاظ التي تم توظيفها لخدمة الفكرة، باعتبارها مشاهد وألفاظاً غير لائقة، ناسين، أو متناسين، أن منصات التواصل الاجتماعي تحوي مشاهد وألفاظاً تفوق ملايين المرات المشاهد والألفاظ التي تضمنها الفيلم، ينام ويصحو عليها أبناؤنا وبناتنا كل يوم على مرأى ومسمع منا ونحن مستسلمون مسلّمون للأمر الواقع.

ليس دور الفن أن يقدم الحلول، ولكن دوره أن يكشف العيوب. ونعتقد أن فيلم «غرباء تماماً» بنسخه كلها، ومنها النسخة العربية، كشف كثيراً من العيوب في مجتمعنا الكوني الكبير، وعرّى أبطال قصته ليعيدوا رسم خرائط حياتهم كي لا نكون نحن الغرباء الحقيقيين.

* كاتب وإعلامي إماراتي

 

Email