غرف الغضب ..هل تحل المشاكل النفسية؟

انتشر في السنوات الأخيرة عمل تجاري مربح يستهدف فئة الشباب خصوصاً من الطبقة الاجتماعية المتوسطة. يضرب على وتر ضغوط الحياة والشعور بالحنق والتوتر بسبب هذه الظروف الصعبة، وهو غرف الغضب. بدأت بالانتشار في العالم الغربي تحديداً في تكساس وتورنتو، ومن ثم وصلت إلى مصر والأردن وأخذت شعبيتها بازدياد، حيث إن الناس تتدافع إلى هذه الغرف وتصرف الأموال عليها سعياً وراء خوض التجربة والشعور.

هي في الواقع ليست إلا مساحة فارغة لا يتواجد بها إلا بعض الأغراض الزجاجية والخشبية، سواء كانت أواني أو تحفاً أو أثاثاً يقوم فيها المرء بتناول عصا وتدمير كل ما يمكن تدميره بداخل هذه الغرفة.

لماذا قد يُقدم الشخص على خوض هذه التجربة؟ لأن هناك فكرة سائدة تنطوي على أن العنف والتدمير يساعد في التنفيس عن الغضب ويحفز الشعور بالسعادة والهدوء بعد انتهاء الهيجان والثورة. يستدل بعض المؤمنين بهذه الفكرة على النظرية الكاتارسية، أو ما يعرف بنظرية التطهير لأرسطو التي تقول إن الانفعال الجسدي يؤدي إلى تفريغ وتحرر عاطفي من المشاعر الضارة. ويفسر العلماء هذه النظرية بأن الغضب والاستجابة له عن طريق الهيجان والتدمير يحفز إفرازات الغدة الكظرية، والتي تفرز الكورتيزول والأدرينالين كردة فعل على الشعور بالخطر والرغبة بالدفاع والهجوم.

هذه النظرية صحيحة جزئياً، ففيما يتعلق بإفرازات الغدة الكظرية وردّة الفعل التي تنطوي على إفراز هرمونات الهجوم والدفاع بسبب الشعور بالغضب والخطر، هذا صحيح تماماً. ولكن الجزئية الأخرى هي التي يبدأ الجدل فيها، وهي أن هذا الإفراز يحفز الشعور بالراحة والسعادة والاسترخاء بعد انتهاء الهيجان والتدمير.

في الواقع قام العلماء باختبار هذه النظرية عندما قاموا باستفزاز مجموعة من المتطوعين في مواضيع حساسة بالنسبة لهم، ومن ثم قسموهم إلى مجموعتين. طلبوا من المجموعة الأولى أن يدخلوا إلى غرفة الغضب ويكسروا كل ما يحلو لهم. بينما المجموعة الثانية طلبوا منها أن تدخل إلى الغرفة وتجلس فقط.

بعد انتهاء التجربة خاضت المجموعتان اختباراً لقياس مشاعر الغضب، ووجدوا أن المجموعة التي قامت بتكسير الأثاث لا زالت تشعر بالغضب العارم والتوتر والحنق، بينما المجموعة التي دخلت إلى الغرفة وجلست فحسب وبقيت تفكر بهدوء وسكينة عكست نتائج إيجابية من ناحية شعورها بالهدوء والاسترخاء.

ذكرتني هذه النتائج بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا غضب أحدكم فليسكت)، والحديث الآخر: (إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع)، والتي أرشدت إلى التعقل والهدوء عند التعامل مع الموترات والاستفزازات.

يتضح الآن أن أنسب طريقة للتعامل مع الأمور المقلقة ليست بتبذير المال على غرف يُسمح لك فيها أن تحطم بعضاً من الأواني والأثاث ليزيد هذا من توترك وتخسر مالك وتهدر طاقتك الجسدية ووقتك، بل الحل الأمثل هو في التعقل والهدوء والسكون والتفكير.