ليس كل شيء يعاقب عليه القانون. هناك نظرات اجتماعية «عتابية» لسلوك مستهجن أقسى من أي عقوبة قانونية. فعندما يرمق الناس من يرمي بقايا الطعام في إشارة مرورية أو غيرها، ربما تصل رسالة العتاب أسرع من مخالفة مالية. وكذلك الحال مع من يصرخ أو يقهقه بأعلى صوته في مقهى هادئ. وهناك من تسول له نفسه تخطي الطابور فيتراجع فور ما يرى نظرات العتاب الاجتماعية.

إذاً للبشر مقدرة صامتة في تغيير «بعض» سلوكياتنا. ولذلك يضطر الناس إلى اللجوء للحدة أو الشدة في التعامل مع من لا يكترثون لنظرات الاستهجان. هذه المقدرة تسمى العقاب الاجتماعي أو الخشية من الناس (social validation) قد تكون أكثر وقعاً، وربما «تعزيراً» لصاحب الفعل المستنكر. صحيح أن من حق الناس مثلاً أن تعبر عن رأيها بكل صراحة، لكن الانزلاق إلى وحل الوقاحة يدفع الآخرين إلى أن يقفوا لنا بالمرصاد. من حق الناس أن تمارس حريتها ولكن الحرية تنتهي عندما نبدأ بالتعدي على حرية الآخرين في أن ينعموا بمكان هادئ أو نظيف وغيره. ومن حق الناس أن يستهجنوا اقتحامنا لجدولهم المزدحم بزيارة غير متوقعة بنظرات العتاب.

ومهما كانت مبررات حرية التصرف، فإن شراء مقعد في الطائرة أو حفلة ما لا يشفع فعل كل ما يحلو لنا. وقد رأيت ذات يوم كيف سحبت قوات الأمن راكبة بذيئة اللسان تلفظت بكلمات نابية تجاه الركاب والمضيفين، ولم تكترث لنظرات العتاب حتى جاءت قوات الأمن فاقتادتها إلى خارج الطائرة، وأمر الكابتن بإنزال جميع حقائبها وإلغاء رحلتها. الطائرة مساحة سيادية لخطوط الطيران، والآمر الناهي هو قبطانها، وكل منا يمكن أن يمارس دور قائد الطائرة إذا لم يراعِ من حوله النظام السائد أو أصول الانضباط compliance، سواء في بيئة العمل أو في جميع مواقع الحياة.

الدراسات الرصينة للباحث روبرت سيالديني، وزملائه، أظهرت أن الخشية من «العقاب الاجتماعي» قد تدفعنا إلى تغيير ملحوظ في السلوك، أو بالأحرى مراعاة النظام السائد (compliance). وكذلك التفكير ملياً قبل الإقدام على فعل ما قد يجابه بحملة نقد عارمة ألطفها إطلاق وسم ساخر (هاشتاغ في تويتر). فقد أظهرت إحدى تلك الدراسات الشهيرة أن الناس في دور السينما، حينما يرون من حولهم لا يحملون بقايا الأطعمة والفشار إلى سلة المهملات بعد انتهاء الفيلم، فإنهم يميلون إلى تركها مكانهم تأسياً بمن حولهم، والعكس صحيح. هذا ما يسمى علمياً بـ«التأثير الاجتماعي» السلبي (social proof). وهو ما يشبه «عقلية القطيع»، إن جاز التعبير. وهناك عدد كبير من الأبحاث قرأتها تدعم هذه الدراسة، ومدى تأثير الناس على سلوكنا.

مشكلتنا تكمن عندما نحاول وضع تشريع أو قانون أو لائحة لكل شيء. شخصياً أؤمن أن كثرة القوانين واللوائح تفقدها محتواها وتعزز من وجود قوانين غير مفعلة. في المسائل الاجتماعية وحتى ما يحدث في بيئة العمل لا بد أن نمارس أحياناً دورنا المجتمعي في العتب أو الاستنكار. وهذه النظرات لا تعني أن نصادر حق الآخرين في تصرفات أو آراء مشروعة، لكنها لا توافق هوانا.

خلاصة القول إن من حق الناس الاعتراض بنظرات عتاب، ومن واجبنا كذلك تفهم هذا الحق الاجتماعي الأصيل، لأننا سنضطر إلى استخدامه في التعبير عن انطباعاتنا في هذا العالم الذي تتغير فيه سلوكيات الأجيال بسرعة مذهلة، أكثر من أي وقت مضى.