نوابغ العرب

ت + ت - الحجم الطبيعي

في ظلال الاحتفال بالذكرى السادسة عشرة لتولّي صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبيّ، رعاه الله، مقاليد الحكم في إمارة دبيّ عام 2006، أعلن صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد، وعلى المعهود من سيرته في كل عام، عن إطلاق أكبر مبادرة للاحتفاء بالذكاء العربي، من خلال مشروع ضخم هو «مشروع النوابغ العرب» الذي يراهن عليه صاحب السموّ الشيخ محمد في إحداث نقلة نوعية في التغيير نحو الأفضل مع توفير كافة أشكال الدعم المادي والمعنوي، والذي تجلى في تخصيص أكبر مركز علمي في الدولة هو متحف المستقبل لمتابعة مسار الاهتمام بهؤلاء النوابغ العرب في مجالات تم اختيارها وتحديدها بعناية فائقة تعبيراً عن حجم الاهتمام بهذه الطاقات التي تتسرب بين الحين والآخر إلى ثقافات ومجتمعات أخرى بسبب ما تلقاه في بلادها من التهميش وعدم الاهتمام.

إن الاهتمام بالمجد الحضاري للأمة العربية هو واحد من أكبر الهواجس التي تسكن في وجدان صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد وقلبه النابض بحبّ أمته، وعلى الرغم مما يكتنف الحياة العربية المعاصرة من مظاهر التأخر عن الركب الحضاري، إلا أنّ صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد يمتلك إيماناً عميقاً بأنّ هذه الأمة قادرة على استئناف مركزها الريادي الحضاري، وهو لا ينفكّ يعبر عن هذا الإيمان وهذه الثقة والنظرة المتفائلة بمستقبل العرب في شتى الميادين والمجالات، ويلحّ دائماً على إنعاش الذاكرة بما يسميه العصر الذهبي للعرب في القرون الوسطى حين كانوا صُنّاعاً للحضارة، وقادوا مسيرة التحضر الإنساني لمدة ثمانية قرون، ويفتخر بكل ثقة بأبناء ذلك العصر مؤكّداً في كتابه الرصين (رؤيتي: التحديات في سباق التميز) في الصفحة 210: على أنّ المكونات التي صنعت في هذه المنطقة العصر الذهبي للإنسانية قبل ألف عام، هي المكونات الموجودة نفسها اليوم، وشعوب العالم الأوسط التي صنعت العصر الذهبي هي الشعوب نفسها، وأبناؤها في الحاضر ليسوا أقلّ ذكاء وابتكاراً من أجدادهم قبل عشرة قرون. مراهناً على القدرة على الانبعاث الحضاري المرتقب للأمة العربية على وجه الخصوص حين تتوفر الإرادة السياسية والشروط الحضارية للنهضة والتقدم واستئناف الدور الحضاري.

في هذا السياق الباهر من الاهتمام جاء الإعلان عن هذا المشروع الضخم في ظلال هذه المناسبة السعيدة لتكون حياة صاحب السموّ الشيخ محمد مسيرة متوالية من العطاء والإنجاز، حيث تم الإعلان عن هذا المشروع الذي يرتقبه العرب بشوق وافتخار، حيث نشر صاحب السمو الشيخ محمد مقطعاً بديعاً على حسابه في إنستغرام حمل هذه البشارة من خلال مادة تصويرية مدهشة تتأسس على إحساس عميق بالفخر بإنجازات العرب السابقة في العلوم النادرة الشاملة التي تحتاجها الإنسانية وكانت سبباً في التقدم الحضاري، ليختم صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد هذه المادة البديعة بكلمة موجزة قرأها بصوته الواثق تفتح الطريق الواسع أمام الراغبين في استئناف الدور الحضاري للأمة.

«علماء في مختلف المجالات برزوا في أشد العصور حُلكة وظلاماً، فكانوا شعلة نور ساهمت ببناء الحضارة الإنسانية» بهذه العبارة المُشعّة بالماضي المجيد، الملهمة في اختيار اللحظة التاريخية المناسبة يُذكّر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد الجميع بأنّ الأمة العربية قد قدمت للبشرية وفي أشد عصورها ظلمة وجهالة وعدم اهتمام بالعلم خيرة العقول الإنسانية من الذين أسهموا بأصالة واقتدار في إضاءة المشهد الحضاري للإنسانية من خلال إنجازات علمية عظيمة التأثير في مسيرة التفكير العلمي، لتكون تلك اللحظات الفريدة هي نقطة الانطلاق نحو الأفق الجديد للحضارة العربية التي لا ينقصها ذلك الجذر التاريخي الأصيل، وهذا الذي قاله صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد من أمجاد العرب العلمية قد اعترف به أهل الإنصاف من الباحثين التاريخيين في الغرب الذين رصدوا بذكاء ملحوظ تلك اللحظات الحضارية الزاهرة للعرب، ومدى إسهامهم في تقدم الفكر الإنساني في جميع المسارات.

«ثلثا نجوم السماء بأسماء عربية، أساس علم الجبر عربي، الخوارزميات كُتبت بالعربية، علم البصريات عربي، الطب، الفلسفة، الصيدلة، الفلك وغيره ازدهرت بالعربية» في هذا المقطع من كلمة صاحب السموّ الشيخ محمد تأكيد بالشواهد الملموسة على أصالة الإسهام الحضاري للعرب في جميع العلوم، فالفخر بالعرب ليس فخراً بالأمجاد الفارغة، بل هو مؤسس على إنجازات عظيمة اعترف بها العالم، ونقشت أسماء العلماء العرب على صخرة المجد الإنساني، فقد كان العرب ومنذ عصر الجاهلية أبرع شعوب الأرض في معرفة منازل النجوم، وكثيرة جدّاً هي المنازل والأسماء التي تحمل الأسماء العربية بسبب اهتداء العرب إلى أسرار هذه العلوم، وكذلك برع العرب في الطب براعة جعلت تصانيفهم تهيمن على جميع معاهد الطب في الشرق والغرب حتى بزوغ عصر النهضة الأوروبي، وأما الفلسفة فقد كان ابن رشد هو الملهم الأكبر للثقافة الغربية لقرون طويلة، وكذا الغزالي والفارابي وغيرهما من أساطين الفلسفة، وبرع العرب ولا سيما في الغرب الإسلامي في علوم الصيدلة براعة شهد لهم بها القاصي والداني، ليجتمع من ذلك كله حضارة عظيمة الإنجاز والتأثير في المشهد الحضاري للإنسانية.

وبعد هذه المادة التصويرية البديعة عقّب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد على ذلك كله بقوله: «استئناف الحضارات يريد له عمل، في كل بلد آلاف فرق العمل اللي تقوم وتشتغل مع بعض، ولكن نحن نبدأ التصور لربما أنّ الآخرين يمشون ويّانا»، فبهذه اللغة النابعة من أعماق القلب المحبّ لأمته وأبناء شعبه وحضارته، ختم صاحب السمو الشيخ محمد هذه المبادرة الدالة على عمق اهتمامه بمستقبل الأمة العلمي الذي يراهن عليه كثيراً، فاستئناف الحضارات بحسب عبارة سموّه لا يتحقق بمجرد الأمنيات والأحلام، بل يحتاج إلى جهود صادقة مخلصة متفانية في سبيل رفعة الأمة واستعادة مجدها الحضاري، وهناك آلاف فرق العمل التي هي معقد الرجاء، والتي تحتاج إلى تجميع طاقاتها لتحقيق هذه المهمة الصعبة، والتي حمل عبئها صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد بهذه المبادرة الفريدة، فهو قد فتح الباب الواسع أمام الجميع، ورصد ما يحتاجه هذا المشروع من مخصصات مالية بلغت مئة مليون درهم تم توزيعها على خمس سنوات، ستكون قادرة بعون الله على تحقيق الحلم، وترسيخ الرؤية، ومواصلة السعي من أجل مجد الحضارة العربية التي يليق بها أن تظل في المقدمة، وأن تستعيد دورها الريادي الحضاري الذي كان لها في مرحلة حاسمة من مراحل التاريخ الإنساني، وتحقيقاً لهذا الهدف الحضاري النبيل تمّ تشكيل لجنة من أبناء الوطن وخبراء صناعة الحياة فيه ستكون مسؤولة عن تنفيذ رؤى صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد الذي أطلّ على شعبه في هذه المناسبة السعيدة بهذه المبادرة النادرة التي تحمل عبق الماضي وأصالته، ورحابة المستقبل وجلالته، فطوبى للوطن بهذا القائد المقدام الذي يحوّل العادي إلى غير المعتاد، ولا يرضى للأحداث أن تمرّ دون أثر عميق الشكل والمضمون يعود بالخير على هذا الوطن الطيب المعطاء.

 

Email