التعليم السليم في العام الجديد

ت + ت - الحجم الطبيعي

اعتدنا في نهاية كل عام، النظر إلى تفاصيله وأحداثه وحوادثه التي مضت، والانتباه إلى ما سنصطحبه معنا إلى العام التالي، برغبتنا أو رغماً عنا. وبقدر ما تسبب الوباء من كوارث، بقدر ما يلفت الانتباه إلى زوايا كانت منسية، وتحديثات كنا مترددين كثيراً في اعتناقها، لا سيما في ما يتعلق بالتعليم.

وحسناً فعلت قمة «ريوايرد»، التي انعقدت في إكسبو 2020 دبي، وعنوانها «تمويل التعليم»، بتذكيرنا بـ 177 مليون طفل، هم تعداد صغار السن المتأثرين بأزمات إنسانية وصراعات، وجائحة كوفيد 19 في العالم، من مجموع 327 مليون شخص ضحايا أوضاع إنسانية بالغة القسوة في العالم.

جلسات حوار القمة، لفتت الانتباه إلى الوضع الراهن لمنظومة التعليم في العالم، وهي المنظومة التي تتخذ في منطقتنا العربية أشكالاً بالغة الصعوبة، حيث النسبة الأكبر من الصراعات والآثار المضاعفة للوباء، والثقل الأعظم على الأطفال.

ففي منطقة بات واحد من كل خمسة أطفال، يحتاج مساعدات إنسانية فورية، وفي عام مضى، شهد استمراراً لمستويات عنف غير مسبوقة، ألقت بظلال قاتلة على أطفال منطقتنا، الذين شهدوا فظائع تصفها «يونيسيف» بأنها «لا ينبغي لأحد أن يشهدها»، لفرط قسوتها، جاءت قمة «تمويل التعليم» في إكسبو 2020 دبي، في وقتها تماماً.

أهمية منظومة التعليم، وحملها المتفاقم في الثقل، بسبب الصراعات المستمرة في منطقتنا، انعكست في حضور سمو الشيخ منصور بن محمد بن راشد آل مكتوم، جلسة الختام، بالإضافة إلى مشاركة خمسة رؤساء دول، و45 وزيراً، حضور كثيف لجلسات القمة لمناقشة التعليم وتمويله. وفي القلب من الجلسات والحوار والأولويات، كان البحث في أثر الصراعات على تعليم الصغار، وأولوية توفير حلول مبتكرة لملايين الأطفال اللاجئين والنازحين، سواء في دولهم أو إلى دول مجاورة، بسبب الصراعات، حتى لا تكون خسارتهم وخسارة العالم أجمع مضاعفة.

وهذا ما أشار إليه المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، الذي ناشد الجميع عدم نسيان الأطفال النازحين، الذين يتطلعون إلى فرص أفضل، والحاجة إلى 4.85 مليارات دولار أمريكي، لضمان حصول الأطفال اللاجئين على التعليم السليم. حصول الصغار اللاجئين والنازحين على التعليم السليم، هو «استثمار صغير نسبياً، لضمان وصولهم إلى عالم أكثر إنصافاً»، كما أشار غراندي.

وبينما نلملم أوراق عام يوشك على الانتهاء، ننظر إلى الاضطراب غير المسبوق، الناجم عن جائحة «كوفيد 19»، والتي قد تؤدي إلى خسارة الأطفال في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، عاماً إضافيّاً من التعليم. وإذا علمنا أن قبل الجائحة، كان 15 مليون طفل تتراوح أعمارهم بين خمسة و14 عاماً، لا يذهبون إلى المدرسة في منطقتنا. وكان ثلثا الأطفال في المنطقة، يعانون عدم القدرة على القراءة بكفاءة. وكان عشرة ملايين آخرون مهددين بالتسرب من مدارسهم، بسبب الفقر والتهميش الاجتماعي. ثم جاءت الصراعات واستمرارها، والجائحة ومفاجآتها، لتفاقم الأعداد وتضاعف الآثار.

الآثار قصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد، للأوضاع الراهنة، لا سيما الصراعات والوباء، وأثرهما على التعليم، أعلى من المتوقع، هذا ما تؤكده منظمات ومؤسسات أممية عدة. وفعاليات قمة «ريوايرد» في إكسبو 2020، جاءت في وقتها تماماً، ليبقي التعليم في قلب دائرة الضوء، وعلى قمة أولويات العمل في العام المقبل. فالتعليم كان، وسيظل، أهم أولويات الحكومات والأفراد.

وزيرة الدولة لشؤون التعاون الدولي في الإمارات، والمديرة العام لمكتب إكسبو 2020 دبي، ريم بنت إبراهيم الهاشمي، حين أشارت إلى أولوية التعليم، رغم الضغوط الكبيرة التي يواجهها العالم، على مدار عامين، على جميع الأصعدة، الصحية والاجتماعية والاقتصادية، فإن هذا يطمئننا أن مستقبل التعليم، سيظل على رأس القوائم. «الجولة التالية»، كما أسمتها الهاشمي، تتطلب الكثير من التفكير والمراجعة، لتوظيف ما تعلمه العالم من تجارب مضت، لوضع دعائم قادمة لمرحلة جديدة صعبة، لكن الخروج منها بسلام، ليس مستحيلاً.

الخروج الآمن يعني تعليماً سليماً. والتعليم السليم، قابل للتحقيق لأطفال المنطقة العربية، في زمن صعب. نسائم الأمل تبدو واضحة في «الإعلان العالمي حول الاتصال من أجل التعليم»، وهو الإعلان الذي خرج عن أعمال القمة.

الإعلان الذي أعدته منظمة اليونيسكو و«دبي العطاء»، ترجمة فعلية للاستفادة من دروس الجائحة. هو خطة عمل تضمن توفير خدمات تكنولوجيا الاتصال، التي تعزز حق التعلم. والمجموعة الاستشارية العالمية التي تم الإعلان عنها، وتحوي خبراء يمثلون الحكومات والمجتمع المدني والشباب والمعلمين والباحثين والقطاع الخاص، سترسي المبادئ اللازمة للتحول الرقمي في قطاع التعليم، وهو أبرز أطواق النجاة، سواء في أماكن الصراعات، أو زمن الوباء. والمسألة ليست إرساء مبادئ فقط، أو دروساً مستفادة فقط، لكنه إتاحة إمكانات بغية التنفيذ كذلك. فمبادرة التعليم الذكي، ستوفر نصف مليار دولار لتمويل التعليم في 37 دولة، تنتمي لـ «منظمة التعاون الإسلامي»، والتي تعاني بسبب غياب 28 مليون طفل عن مدارسهم.

وهذا يعني أننا موعودون بتعليم سليم في العام الجديد.

 

* كاتبة صحافية مصرية

Email