الأمل لتونس والدمار لـ«الإخوان»

ت + ت - الحجم الطبيعي

شهدت تونس نهاية الأسبوع الماضي حدثين مهمّين، أوّلهما ما يمكن اعتباره تحوّلاً نوعياً في خطاب الرئيس قيس سعيّد الذي بدا أنّه بصدد الاستجابة لمطالب إشراك القوى الحزبية والمواطنية في تحديد ملامح المرحلة المقبلة، وهو ما يفتح في تقدير الملاحظين باباً للأمل، وثاني هذه الأحداث هو الحريق الذي أتى على مقرّ حركة النهضة الإخوانية جرّاء إضرام أحد اليائسين - وهُمْ كُثر - من المنتمين للحزب الإخواني النار في جسده، وذلك احتجاجاً على الوضع البائس واليائس الذي تسبّبت سياسات «النهضة» ورئيسها تجاه منظوريها وتجاه تونس.

وهذا الحدث يؤكّد مجدّداً أنّ النهضة الإخوانية دخلت بلا رجعة ديناميكية الاندثار والتلاشي، حتّى أنّ البعض اعتبر أنّ هذا الانتحار يكتسي طابعاً رمزياً كبيراً من شأنه أن يضع حدّاً لوجود الحركة الإخوانية على غرار انتحار البوعزيزي الذي كان سبباً مباشراً في انهيار منظومة الحكم السابق سنة 2011.

تونس إذن كانت نهاية الأسبوع الماضي مسرحاً لحدث بعث الأمل في النفوس ولآخر جدّد الأمل في اندثار كابوس «الإخوان».

فقد جاء في بيان مشترك ومعبّر عن إرادة الدول وحاملاً لتوقيع رؤساء بعثات سفارات دول كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وتمثيلية الاتّحاد الأوروبي وصدر الجمعة 10 ديسمبر 2021 أنّ هذه الدول تدعم «بقوّة الشعب التونسي في انتهاجه طريق الحوكمة الفعّالة والديمقراطية والشفافية»، مضيفاً إنّها «تقف على أهبة الاستعداد لتشجيع ودعم التنفيذ السريع للخطوات الضرورية من أجل تعزيز الوضع الاقتصادي والمالي»، وذلك في إطار الاحترام التامّ «للقرارات السيادية لتونس بخصوص الإصلاحات الاقتصادية والدستورية والانتخابية».

ويأتي هذا البيان في تطابق كامل مع بيان سابق صدر عن السفارات السبع ذاتها حمل المعاني نفسها والتشجيع ذاته الذي لا يخلو من ضغط خفيّ للمحافظة على ما تعتبره هذه الدول مبادئ أساسية ومشتركة بين الأمم والشعوب يتعيّن على الجميع الالتزام بها، وهذه المبادئ هي: «احترام الحريات الأساسية لكلّ التونسيين، واعتماد مبدأ الانتخاب، وشفافية عملية إشراك كل الأطراف المعنية، حتّى تلك الأصوات المختلفة في الطّيف السياسي والمجتمع المدني»، مع ضرورة «تحديد سقف زمني واضح يسمح بعودة سريعة لسير عمل مؤسّسات ديمقراطية بما في ذلك برلمان منتخب».

وبدا من البيّن والواضح أنّ هذا البيان هو من حيث المبدأ، بيان داعم لإرادة المواطن التونسي ولمسار التصحيح في 25 يوليو 2021 الذي جسّد واستجاب لهذه الإرادة المواطنية التي قرّرت وضع حدّ لعشرية حُكْمِ حركة «النهضة الإخوانية».

وقد يكون من المهمّ التأكيد على أنّ هذه المعاني التي تضمّنها بيان السفارات السبع وممثلية الاتحاد الأوروبي هي تكاد تكون مستنسخة بالكامل من مواقف وبيانات الاتحاد العام التونسي للشّغل (اتّحاد العمّال)، وخصوصاً خطاب أمينه العام نورالدين الطبّوبي يوم 5 ديسمبر 2021 في ذكرى اغتيال الزعيم النقابي الكبير فرحات حشّاد.

ونعتقد أنّ الاتّحاد مثّل ويمثّل البوصلة الوطنية التي - وفي إطار دوره الوطني الذي لا اختلاف بشأنه - حافظ ويحافظ من خلاله على مكاسب دولة الاستقلال، ساعياً في الوقت ذاته إلى تلافي نقائصها، وذلك بفضل نضالاته التاريخية لتركيز منظومة ديمقراطية والمساهمة في تيسير عمليات الإصلاحات السياسية والاقتصادية الكبرى.

من المهمّ كذلك التذكير بأنّ بيان السفارات السبع زائد تمثيلية الاتحاد الأوروبي، كان مسبوقاً بإشراف الرئيس التونسي قيس سعيّد على اجتماع مجلس الأمن القومي الذي شهد تحوّلاً مهمّاً في الخطاب السياسي لرئيس الدولة، حيث أكّد ولأوّل مرّة على أنّ «تونس لن تتقدّم إلا في ظل قبول الآخر والتنافس النزيه»، مشدّداً على «أن الاختلاف في التصورات والآراء لا يعني انعدام التعايش، وعلى أن الدولة تتّسع للجميع والقانون هو فوق الجميع»، وذلك في إشارة واضحة إلى تجاوزات بعض الأحزاب لمقتضيات القانون بمناسبة الانتخابات الأخيرة.

من الواضح إذن أنّ الرئيس التونسي أراد توجيه رسالة طمأنة إلى الداخل التونسي، وكذلك إلى الخارج مفادها أنّه حريص على احترام التعدّدية السياسية والمجتمعية، وربّما كذلك مبدأ التشاركية والحوار مع الأطراف السياسية وقوى المجتمع المدني.

وقد تكون هذه الرسالة من باب الردّ الضمني على ما يتردّد منذ أيّام من أنّه ينوي اتّخاذ إجراءات أحادية راديكالية بمناسبة ذكرى «17 ديسمبر 2010» يفرض من خلالها أمراً واقعاً جديداً، حاثّاً بالمناسبة التونسيين على «عدم الانسياق وراء الإشاعات من أيّ طرف كان»، هو باب للأمل انفتح إذن وقد لا يوصد مستقبلا إذا صدقت النوايا.

وأمّا حريق «النهضة»، فالاعتقاد السائد بأنّ الحركة الإخوانية دخلت نهائياً في ديناميكية الزوال، وبان أنّ الإصرار المرضي لرئيسها راشد الغنّوشي على مسك تلابيب السلطة داخلها من جهة، وكذلك الحركات العقيمة والخجولة واليائسة أحياناً لإزاحته حالا ويحولان دون الرغبة في تحويل الحزب إلى حركة سياسية مدنية.

وهو ما يعني أنّ هذه الحركة لن يكون لها دور في ديناميكية الأمل التي قد تكون دخلتها تونس ولا في نحت مستقبلها، بما يعني أنّها أقصت نفسها وبطريقة قد تكون نهائية.

وهو ما يؤكّد أيضاً أنّ قاعدة أَنْ لا وجود لإنسان بلا مستقبل تحتوي على استثناء وهو أنّ من يستثني نفسه من دائرة الإنسانية الباحثة عن أمل جديد وعن حياة أفضل لا مستقبل له.

 

* كاتب تونسي

Email