الإبداع والتخيّل

ت + ت - الحجم الطبيعي

بذكاء الشاعر القائد اللمّاح نشر صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبيّ، رعاه الله، ومضة قيادية رائعة المحتوى وباهرة الإلهام، نشرها على حسابه في إنستغرام ضمن وسم «ومضات قيادية» هذا الوسم الذي أصبح واحداً من تقاليد حياتنا الثقافية، وبإطلالة منتظمة الإيقاع ينتظرها عشاق فكره وإبداعه باشتياق صادق نظراً لما تشتمل عليه هذه الومضات من بدائع الفكر وثراء التجربة، حيث جمع في هذه الومضة بين نموذجين متفردين من الإبداع الإنساني، تمّ إنجاز الأول منهما من خلال العمل الجماعي المتمثل في بناء الأهرامات المصرية قبل خمسة آلاف عام حيث انخرط مئات آلاف العمال والمهندسين في إنجاز هذه الأعجوبة المعمارية الهندسية التي تصنّف ضمن أعاجيب العالم الكبرى، بينما مثّل النموذج الآخر عبقرية الفنّ الإنساني في سياقه الفردي حيث أبدع الفنان الإيطالي الشهير ليوناردو دافنشي (ت 1519م) اللوحة الفنية الشهيرة المعروفة باسم الموناليزا والتي اكتسحت الذوق الإنساني، وحققت منزلة لا تُضاهى بين جميع الأعمال الفنية التي أبدعها الخيال الإنساني في مسيرته التاريخية الطويلة.

بنبرة صوته الواثقة نشر صاحب السموّ هذه الومضة على حسابه حيث قال: «عندما بنى المصريون القدامى الأهرامات لم يتخيلوا أنّها ستبقى خمسة آلاف عام، إنهم أبدعوا ولم يتخيلوا»، بهذا العمق التاريخي الضارب في القِدم يفتتح صاحب السموّ هذه الومضة البديعة التي يريد من خلالها التأكيد على أصالة الفكر الإنساني، وتغلغل روح الإبداع في عروقه منذ القديم، فالإبداع ليس حكراً على الإنسان الحديث، بل هو لمعة طبيعية هي جزء من طبيعة الإنسان حين يتفكر في قدراته ويطلقها في المسار الصحيح، فالمصريون القدماء ومنذ عهد الفراعنة الذي يمتد إلى خمسة آلاف عام كانوا على درجة عالية من الذكاء حيث أبدعوا هذه التحف المعمارية التي يقف العقل الإنساني الحديث حائراً أمام ضخامة محتوياتها، ومدى دلالتها على الجهد الإنساني الهائل الذي بُذل في سبيل إنجازها حيث يذكر المؤرخون القدماء أنّ الهرم الواحد كان يستغرق بناؤه عشرات السنين، والذي يريده صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد من هذه الإشارة العميقة هو أنّ هؤلاء المصريين الذين أنجزوا هذا العمل الجبار لم يكونوا يتخيلون أن هذا العمل سيكون إحدى عجائب الدنيا السبع، فقد انخرطوا في العمل وحسب، وأبدعوا في ترك هذه البصمة الدالة على قوة الإرادة الإنسانية التي تتحدى الحجم الأكبر منها، بحيث أصبحت هذه الأهرامات مصدر إلهام لكثيرٍ من العقول والطاقات وليست مجرد حجارة ضخمة جيء بها من منطقة أسوان في جنوب القاهرة بل هي دليل العبقرية الإنسانية، وواحدة من أروع معالم الذكاء البشري والقدرة الإنسانية على الإبداع والإنجاز، ولكنهم مع هذا كله لم يكونوا يعملون من خلال ملكة التخيّل لما هو قادم بل كانوا ينجزون بحماسة وإحساس كامل بالإبداع دون النظر إلى المآلات القادمة في مسار الحياة بمعنى أنّهم وبحسب عبارة صاحب السموّ «أبدعوا ولم يتخيّلوا».

ويتابع صاحب السموّ إضاءة المشهد الإبداعي بقوله «وعندما رسم الفنان الإيطالي دافنشي (الموناليزا) لم يكن يتخيل أنها ستكون أشهر لوحة في التاريخ، هو أبدع ولم يتخيّل»، وما يُقال عن ذلك الإنجاز الجماعي الضخم المتمثل في بناء الأهرامات في الحضارة المصرية القديمة، يقال أيضاً عن كثير من الأعمال الفنية الخالدة في الوجدان الإنساني، فمن المعروف أنّ كثيراً من الأعمال الفنية لم تشتهر إلا بعد موت مبدعيها، ومن بين هؤلاء المبدعين الفنان الإيطالي الشهير ليوناردو دافنشي الذي تربّعت لوحته الشهيرة «الموناليزا» على عرش الفنون منذ عدة قرون بلا منازع، ولم تتزعزع مكانتها الفنية على الرغم من مرور مئات السنين على إنجازها حيث تحظى هذه اللوحة الخالدة بتقدير عالمي لا يزال يتنامى كلما تقدم الذوق الإنساني، وازداد تبصّراً في الأسرار الفنية العميقة التي تنطوي عليها هذه اللوحة الفخمة، ولكن صاحبها دافنشي أبدعها ضمن ظروفه الخاصة ولم يكن يتوقّع لها هذا الخلود الفني الباهر الذي جعل منه الفنان الأشهر في تاريخ الفن الإنساني الذي يزدحم بآلاف الأسماء ولكن دافنشي وبلوحته الخالدة «الموناليزا» هو الفنان الأشهر في تاريخ الفن الإنساني بلا منازع، وكان ذلك بفضل لمسة الإبداع التي تجلت في عمله الباهر «الموناليزا» التي لم يكن يتخيل أنها ستحتل هذه المنزلة المتفردة في الضمير الإنساني العاشق للفن والجمال، ولكنه وبحسب عبارة صاحب السمو «أبدع ولم يتخيّل».

حتى إذا وصلنا إلى قصة الإبداع في الإمارات قال صاحب السموّ: «ونحن بكل تواضع نبدع ونتخيّل، وأنا لا أريد منكم أن تنظروا إلى ما أنجزناه، ولكن أريدكم أن تنظروا إلى ما يمكن أن ننجزه»، لقد كان المثالان السابقان من روائع الإبداع الإنساني بمثابة التمهيد لما يريد أن يقوله صاحب السموّ في شأن قصة الإبداع في الإمارات، وأنّها يجب أن تختلف في جوهرها ورؤيتها عن السابقين، فنحن في هذا الوطن نبدع ونتخيل ونستشرف المستقبل ولا نكتفي بما سيقوله الآخرون بل ندخل في سباق مع أنفسنا مع إحساس عميق بالتواضع والفخر النبيل المنبعث من ثقة بالنفس وجهد مُوازٍ للآمال والمطالب، وبحسب نظرة صاحب السموّ الثاقبة فليس الرهان على ما تمّ إنجازه، بل الرهان على ما يجب إنجازه وبطريقة أفضل من سابقه، فهي نظرة تحترم الإمكانيات المبذولة ولكنها تراهن على المخبوء منها والمذخور لخير الوطن في سبيل إنجاز المزيد من الأعمال الكبرى التي يرتقي بها بين الأمم، وتزداد مكانته رفعة ورسوخاً بجهود أبنائه قادة وإنساناً.

Email