حديث القلوب.. قراءة في رسائل القادة الكبار

ت + ت - الحجم الطبيعي

بقلبَيْن نابضَيْن بحب الوطن، وفي ذروة الاستعداد للاحتفال بالخمسين الأولى من عمر الدولة المجيد، أطل علينا القائدان الكبيران: صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بحديث يفيض بمحبة الوطن، ويتدفق بشحذ العزائم، ويعتز بالإنجاز، ويدعو إلى الدخول في قلب الخمسين المقبلة بقلوب نابضة بحب الوطن والولاء له، والعزم على تحقيق المزيد في سبيل رفعته وإعلاء شأنه، وتحقيق المزيد من المكتسبات، التي تليق بهذا الوطن الأصيل النبيل.

في رسالة مهيبة ممهورة بتوقيع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، تم رسم ملامح الخمسين المقبلة من مسيرة الدولة، نحو تحقيق مزيد من الإنجازات، التي تغيرت فيها الرؤية القديمة، ففي السابق، كان الشعار المطروح للإنسان الإماراتي، هو «المركز الأول ولا بديل»، أما هذه المرحلة، فسوف تتأسس على شعار أن المنجز الإماراتي يجب أن يكون «هو النموذج والمثال»، الذي يفوق التوقعات، بكل ما ينطوي عليه هذا الشعار من التحديات والطموحات، التي ستغير إيقاع المرحلة المقبلة، وتنتقل بالإمارات نحو أفق جديد من الإنجاز والإبداع، وليس المقام بالذي يسمح بوقفة تفصيلية عند جميع الأفكار، التي اشتملت عليها رسالة صاحب السمو، لكن النظر الفاحص المتبصر في محتواها الرصين، يستطيع تلخيص جوهر الرؤية، في مجموعة من الأفكار الأساسية، التي يمكن ترتيبها على النحو التالي:

• كانت المرحلة السابقة بكل ما فيها من التحديات تجسيداً لحلم صعب المنال، تمثل في تأسيسِ وطن مُتحد، يتمتع بالأمن والحصانة والمنعة والرفاه الاجتماعي، مصحوباً ذلك كله بتحقيق إنجازات ضخمة، تستعصي أحياناً على التفسير، حين يتم ربطها بدولة ناشئة، حفرت اسمها بكل ثقة واقتدار على صخرة التاريخ، التي لا تحتفظ في سجلاتها إلا بالأسماء المتميزة.

• حرصت الرسالة على إنعاش الذاكرة الوطنية، من خلال استذكار البدايات الطموحة والأحلام الكبيرة، والمسؤوليات الجِسام، التي ربما كانت في عين الناظر، أكبر من المرحلة التي تمر بها الدولة، في بواكير النشأة، لكن الإرادة الحازمة، والعمل الدؤوب، والنيات الطيبة، خلقت واقعاً جديداً، تمثل في دولة الإمارات العربية المتحدة، التي دخلت في سباق مع الزمن، لتحقيق كل الأحلام والغايات.

• التأكيد على أن الدولة في مسيرتها السابقة قد تجاوزت جميع العقبات والتحديات التي واجهتها، وأدارت ظهرها، عن وعي وبصيرة، لفكرة المستحيل، ونحت جانباً جميع مظاهر العجز والكسل والخمول والترهل، ورسخت بتصميم قوي، قيمة العمل، كقيمة كبرى في مسيرة الدولة وشخصية الإنسان، مع الانفتاح على جميع التجارب الإنسانية الناجحة، التي تحتفي بالعمل، وتُعلي من شأن الإنجاز، وتتخذ التقدم شعاراً لها ومنهج حياة.

• الحديث عن أسرار وصفة النجاح الإماراتية، ومكونات معادلاتها الكيميائية، والتي لخصها صاحب السمو بأن مفتاح السر في هذا الشأن، هو قيام الاتحاد على تغليب المصلحة العامة على المصلحة الفردية، حيث تلاشت جميع مظاهر الأنانية والحسابات الشخصية في مسيرة الدولة الميمونة الرائعة، في الخمسين عاماً الماضية.

• إلقاء الضوء الساطع على وثيقة مبادئ الخمسين، التي وجه بها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، والتي اشتملت على عشرة مبادئ، حددت المسار الاستراتيجي والتنموي للدولة في المرحلة المقبلة، بهدف الارتقاء بالمنظومة المتكاملة للحياة في جميع مساراتها، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

• الربط بين هذه الوثيقة وبين وثيقة إعلان الاتحاد قبل خمسين عاماً، للتأكيد على عمق الجذور التي ترجع إليها هذه الوثيقة، وأن هناك تواصلاً عميقاً بين الرؤى المؤسسة، التي أرساها الآباء المؤسسون الكبار، وبين الرؤى التي يسير عليها رجال الدولة، الذين حملوا أمانة السير على هدي الآباء، في منظومة القيم الأخلاقية والإدارية للدولة، بحيث تظل تلك التعاليم الأصيلة، مصدر إلهام وتوجيه للدولة، في انطلاقتها الجديدة نحو الخمسين المقبلة.

• التأكيد على أهمية المرحلة المقبلة، باعتبارها منعطفاً تاريخياً هاماً في مسيرة الدولة، يشتمل على المزيد من التحديات والطموحات، التي تتطلب فكراً خلاقاً ونهجاً مختلفاً وعملاً مضاعفاً، وجهوداً استثنائية، تتمثل في زخم المشاريع والمبادرات، وتقتضي المزيد من الطاقات القادرة على الإبداع والابتكار والبناء والتطوير، بحيث يتم طرح نموذج جديد للرؤية، يتجاوز النموذج السابق، الذي كان يطرح شعار «لا بديل عن المركز الأول»، ليصبح الشعار الجديد هو: «المنجز الإماراتي هو النموذج والمثال الذي يفوق التوقعات»، كما سبقت الإشارة إليه في مقدمة هذه المقالة.

• تخاطب الرسالة جميع من يعيش على أرض الإمارات: رجالاً ونساء، شيباً وشباناً، مواطنين ومقيمين، بروح الانتماء الصادق للوطن، كي ينخرطوا جميعاً في بناء المرحلة المقبلة، حيث يتسع الفضاء ويطيب العطاء لهذا الوطن الطيب المعطاء، من خلال الإسهام الفاعل في مسيرة التنمية في جميع مستوياتها، لتحقيق المشروع الأكبر، الذي سماه صاحب السمو (إمارات الخمسين سنة القادمة)، الذي لا يحده خيال، ولا تنهي طموحاته إلى سقف أو فضاء.

• وأخيراً، يؤكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد على انطلاق الرحلة، داعياً الجميع للركوب في قارب الوطن، للإبحار في رحلة البناء الجديدة، مع ربان البلاد، الذي يعشق العمل، ويختار الفريق القوي القادر على تحقيق الطموحات، وتقديم أفضل ما في الإنسان من طاقات، لصنع المستقبل الزاهر، الذي يليق بالإمارات ومجد الإمارات.

ولأن دبي لا تتكلم في الفراغ، فقد جاء الصوت المهيب الجليل من أبوظبي، عاصمة الدولة، حيث تحدث صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، حديثاً مفعماً بالحب والولاء للوطن، والتحفيز للإنسان، بحيث تكامل الصوتان، وخلقا حالة فريدة من التماهي بين هذين القائدين النادرين، اللذين يسعيان منذ عشرات السنين، في صناعة مجد الوطن، وترسيخ مكانته بين الأمم والشعوب، ولقد أبدع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد في وضع النقاط على الحروف، وفي استثارة العزائم، لمواصلة المسيرة، التي فجر ينابيعها والده الباني الكبير، المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان،طيب الله ثراه، الذي تشهد كل ذرة تراب في الإمارات، بجهوده الكبرى في الوصول بالإمارات إلى هذه المنزلة الحضارية الفريدة بين الأمم.

«هذه الأيام، تعيش بلادنا لحظة تاريخية، نشعر فيها بالفخر والعزة، ونحن نستعد لدخول الخمسين عاماً المقبلة»، بهذه العبارة الجليلة، افتتح صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد حديثه عن الانطلاقة المرتقبة للوطن، نحو المرحلة المقبلة، حيث أكد عمق الشعور بمشاعر الفخر والاعتزاز، بمنجزات المرحلة السابقة في الخمسين عاماً الماضية، والتي جعلتنا قادرين على تجديد الرؤية للدخول في مدارات الخمسين القادمة، عن بصيرة ووعي واقتدار.

«الطموحات لا تحدها حدود، وبثقة كاملة في قدرة أبناء الوطن على تحقيق المزيد من الطموحات والتطلعات في مسيرتنا المقبلة»، في هذا المقطع من حديث صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، يؤكد على السقف اللا نهائي للطموحات التي تراود أبناء الوطن، قيادة وشعباً، فالطموحات المفتوحة على اللا نهاية، هي المحرك الفاعل في تحقيق المزيد من الإنجازات، وحين يجتمع الطموح مع الثقة بالنفس، تكتمل معادلة العمل في سبيل رفعة الوطن، وهو ما يحرص صاحب السمو على ترسيخه في نفوس أبناء شعبه، الذين يستمدون من عزيمته القوية، كل معالم التحدي والرغبة الصادقة في تجاوز كل العقبات والتحديات.

«الحمد لله، لدينا من القوة والعزم والرؤية، ما يعيننا على مواصلة مسيرة الإنجازات، والحفاظ على المكتسبات إن شاء الله»، لقد قامت المسيرة السابقة للدولة، على هذه الثلاثية، التي هي سر النجاح: القوة والعزم والرؤية، فهي صمام الأمان في مسيرة الدولة، وهي العون الأكيد على مواصلة مسيرة الإنجاز، والحفاظ على المكتسبات، لأن هذه الثنائية، هي جوهر التقدم في سياسة الأمم الزاهرة والشعوب المستنيرة.

«وجهود الشباب والشابات، خلال هذه المرحلة، هي المحرك الرئيس، فعليهم شحذ الهِمم، واستلهام العزائم من مسيرة الآباء والأجداد، والتسلح بالعلم والمعرفة»، وفي هذه الفقرة من حديث صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، يحدد الطرف الفاعل في الإنجاز، وهم عنصر الشباب، الذين تقوم عليهم الدول والحضارات، باعتبارهم الطاقة الأكثر فاعلية قي صناعة الحياة، حيث يدعوهم صاحب السمو إلى شحذ الهمم، وإذكاء نار العزيمة، واستلهام سيرة الآباء والأجداد، الذين ضربوا أروع الأمثلة في بناء الوطن، على الرغم من ظروف الحياة القاسية، لكن إرادتهم الصلبة، كانت كفيلة بتذليل جميع العقبات، وتجاوز جميع الصعوبات، فإذا أضيف إلى ذلك، التسلح بالعلم والمعرفة، فقد اكتملت معادلة العطاء لهذا الوطن، الذي يستحق كل بذل وعطاء.

«إن رسالة دولة الإمارات، كانت، وستظل، حاملة للخير والسلام والتنمية، والعمل من أجل الارتقاء بالإنسان... حفظ الله بلادنا بالعز والأمان، وأدام عليها الخير والسلام»، وبكل هذا الوضوح، وبمنتهى الشفافية، حدد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد الرؤية العميقة للدولة في مسيرتها النهضوية، منذ نشأتها، وحتى يوم الناس هذا، فهي دولة منفتحة على المعاني الإنسانية الكبرى، من حيث محبتها لعمل الخير ونشر ثقافة السلام، وعدم تشتيت الانتباه عن مسيرة التنمية الشاملة للبلاد، التي تعتبرها معركتها الكبرى، لترتقي بإنسان الإمارات، إلى المنزلة العالية التي تليق به، في عالم لا يعترف إلا بالعمل والإنجاز، وتحقيق الذات الحضارية في جميع المسارات.

 

Email