أوقفوا مبروك عطية

ت + ت - الحجم الطبيعي

لست صاحب الدعوة لإيقاف الشيخ الدكتور مبروك عطية، فأنا أعرف شعبية الشيخ الطاغية، وأعلم جيداً أنه قد استحوذ على قلوب كثير من الناس، بأسلوبه الظريف ونكاته اللاسعة، ولكنه هاشتاق، أطلقه عدد من المصريين، على موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي، فما هو أصل الحكاية؟

أصل الحكاية، أن أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، كان يرد على زوجة معنَّفة من زوجها، خلال مقابلة في برنامج «يحدث في مصر» التلفزيوني، الذي يبث على قناة MBC مصر، فقال إن النساء يبالغن في الشكوى من الرجال في قضايا العنف الأسري. وأضاف أنه توجد قاعدة تقول، لو الإنسان قام من النوم وضرب فوراً، أو دخل البيت وضرب فوراً، فهذا شخص يحتاج مستشفى أمراض عقلية، لأنه أكيد عنده مرض، أما الإنسان الطبيعي، فلا يمكن أن يصل لهذه الدرجة، إلا بعد درجة استفزاز قوية جداً.

كلام الشيخ مبروك عطية، لم يمر مرور الكرام في مصر، إذ تصدر وسم #أوقفوا_مبروك_عطية، مواقع التواصل الاجتماعي، وطالب المغردون من خلاله، بإيقاف الشيخ، ومنع ظهوره على شاشة التلفزيون، متهمين إياه بتبرير الاعتداء على النساء. وقد رد أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، على الوسم المتداول، والمطالب بإيقافه، فقال في بث مباشر على «فيسبوك»: «كل كلمة رديت بها، لها دليل في السنة، لعدم وجود الزوج»، مؤكداً أنه يتخذ دوماً «موقفاً منصفاً بحق المرأة». إلا أن حساب «Speak up»، وهو مبادرة نسوية لدعم ضحايا العنف بكل أشكاله، استنكر «التبرير الإعلامي للعنف ضد المرأة، تحت غطاء الدين»، مشدداً على خطورة كون الكثير من التعليقات «مؤيدة لكلام الشيخ الأزهري».

الموضوع لم يتوقف عند مستخدمي موقع التواصل الاجتماعي، فقد تداخل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي هاتفياً، مع برنامج «يحدث في مصر»، معبراً عن سعادته بالداعية الدكتور مبروك عطية، وما يتناوله من قضايا مختلفة، وقال: «لن أقول أي ملحوظة عنه، لأن العلماء الأجلاء لا تقال لهم ملحوظات». وأضاف قائلاً، إن كل الذين يسمعوننا، لهم ثقافات مختلفة، وأفكار مختلفة ومتنوعة، فليس كل الناس تستقبل كل الكلام بالفهم نفسه المقصود عند طرحه، وأشار إلى أنه «حتى لو المتحدث له أسانيده ووجاهته الفكرية والعلمية، فإن الجميع لن يفهمه بنفس الشكل، لهذا، يجب مراعاة من يستمعون له، لأن الأفكار مختلفة».

هذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها الشيخ مبروك عطية للهجوم، فقد سبق أن قام الدكتور سمير صبري، المحامي بالنقض، برفع دعوى ضده، لمنعه من الظهور على شاشات التلفزيون والفضائيات، بدعوى أنه غير مؤهل لذلك، لكن محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة في مصر، قضت بعدم قبول الدعوى، وخرج الشيخ مبروك عطية من المعركة منتصراً، فهل ينتصر الشيخ المبتسم المبهج، كما يطلق عليه محبوه، هذه المرة، على مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، الذين يشن بعضهم حملة عليه، مطالبين بإيقافه ومنع ظهوره على شاشات التلفزيون؟.

ظاهرة المشايخ الظرفاء في وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، ليست جديدة ولا طارئة، فالشيخ مبروك عطية نفسه، موجود على شاشة التلفزيون منذ عام 1983، قبل ظهور الفضائيات. والذين عاصروا نشأة الإذاعة والتلفزيون في العالم العربي، يتذكرون جيداً الأديب والفقيه السوري الشيخ علي الطنطاوي، عليه رحمة الله، الذي بدأ تقديم البرامج الإذاعية من إذاعة الشرق الأدنى من يافا، أوائل الثلاثينيات، ثم من إذاعة بغداد سنة 1937 م، وقدّم من إذاعة دمشق سنة 1942 م، لأكثر من عقدين متصلين، وكانت محطته الأخيرة في إذاعة المملكة العربية السعودية وتلفزيونها، اللذين قدم منهما نحو ربع قرن من الزمان، وكان برنامجه الأشهر، الذي كان ينتظره المشاهدون قبل أذان المغرب كل رمضان «على مائدة الإفطار»، الذي بثت أولى حلقاته عام 1967، واستمر حتى عام 1992. ولا يفوتنا أن نذكر الشيخ السعودي الظريف، سليمان الجبيلان، الذي يضفي على المحاضرات التي يشارك فيها، جواً من المرح والفكاهة، جعل منه نجماً ينافس أكثر نجوم الكوميديا شعبية.

هؤلاء المشايخ وأمثالهم، يقدمون وجهاً مختلفاً من الدعاة والمفتين، تحتاج إليه شاشات التلفزيون وميكروفونات الإذاعة وقاعات المحاضرات، تماماً مثلما تحتاج لكل المشايخ والدعاة الآخرين، الذين يمثلون وجهاً آخر لا يمكن الاستغناء عنه. لهذا، نقول لا توقفوا الشيخ مبروك عطية، الذي غدت فتاواه وردوده، تسجل أعلى المشاهدات على مواقع التواصل الاجتماعي، وأصبح يتداولها الجميع في مختلف المنصات.

* كاتب وإعلامي إماراتي

Email