ما بعد كورونا قيم ومبادئ

إن الأزمات والتجارب مدرسة، يكتسب الإنسان فيها قيماً ومبادئ وخبرات ومهارات، ليكون ما بعد الأزمة أكثر عزماً وصلابة وقوة وامتلاكاً لأدوات التحمل والتغلب والتطور والازدهار.

لقد حملت أزمة كورونا الكثير من الدروس للبشرية، وفتحت أبصارهم على الأخطار العالمية المحدقة بهم كجنس بشري، وما يتطلب ذلك من تعزيز قيم التعاون والتكاتف والتواصل بينهم، وأهمية اصطفاف المجتمعات قيادات وشعوباً للتغلب على التحديات التي تعترضهم، والانطلاق برؤية ثاقبة وأيادٍ متكاتفة نحو مستقبل مشرق.

لقد أكدت هذه الأزمة أهمية تعزيز القيم والمبادئ، التي تغرس التراحم بين الجنس البشري على اختلاف أعراقهم وأديانهم ولغاتهم وأجناسهم، وتنطلق من حقيقة أن البشر ينتمون إلى جنس واحد متجاورين عالمياً، ويحتاجون إلى بناء علاقة تجاور راقية وإقامة شراكة فاعلة لحل المشكلات العالمية التي تهددهم.

ومن القيم المهمة التي أكدتها أزمة كورونا قيم التعاطف الاجتماعي، التي تدفع الإنسان إلى الاهتمام بأخيه الإنسان، وتُنمِّي فيه مشاعر العطف والرحمة تجاهه، ومحبة الخير له، والميل إلى مساعدته، والوقوف معه في الأزمات والشدائد، وقد أكد الإسلام ذلك، فجعل الرحمة بالخَلْق قيمة عُليا وفضيلة كبرى، وفي الحديث الشريف: «لا تُنزع الرحمة إلا من شقي» أي: لا تُسلب الشفقة على خلق الله إلا ممن قسا قلبه وضعف إيمانه.

ومن القيم المهمة كذلك التسامح، فإن الأوبئة والكوارث لا تفرق بين جنس وآخر، ولا بين أتباع دين وآخر، ولذا فلا مكان للتعصب والطائفية في زمن ما بعد كورونا، بعد أن ذاق الإنسان مرارة الوباء، واكتوى بنيران تداعياته التي لم تترك مجالاً إلا واقتحمته، ولا مجتمعاً إلا وهددته، وقد كان الجميع على اختلاف توجهاتهم ومشاربهم في مرمى هذا الوباء.

ومن القيم المهمة كذلك تعزيز التعاون المشترك بين البشر لمواجهة التحديات والأخطار التي تواجههم، ترسيخ قيمة العطاء والتكافل المادي والمعنوي، والتي تقتضي وقوف الغني بجانب الفقير، وسعي الدول والمؤسسات العالمية للقيام بدورها الإنساني في دعم الفقراء والدول الضعيفة لمكافحة الأزمات والكوارث، وقد ترجمت دولة الإمارات هذه القيمة واقعاً عملياً، وكان لها دورٌ محوريّ وبارز في مساعدة الدول والشعوب خلال هذه الجائحة.

ومن القيم التي تجلت في أزمة كورونا كذلك تنمية الشعور بالمسؤولية الشخصية والاجتماعية لدى الأفراد والمجتمعات، فلم تكن مكافحة الوباء تؤتي ثمارها إلا بضبط بعض الحريات الفردية وتقييدها عبر الإجراءات الاحترازية والعلاجية، ومن أمثلة ذلك فرض الاشتراطات الصحية والفحوصات الطبية، والحجر الصحي على المصابين، والتباعد الاجتماعي، وغير ذلك، ومن ذلك كذلك تحلي الأفراد بقيم الأمل والتفاؤل والروح الإيجابية التي تساعدهم على التحمل ومواجهة الصعاب والالتزام بالأنظمة والقوانين والإجراءات الاستثنائية في ظروفها الخاصة.

ومن القيم التي تجلت في أزمة كورونا قيم الاستهلاك الرشيد للموارد، وترسيخ ثقافة الاعتدال في شراء البضائع والأشياء، بما يلبي احتياج الإنسان، ويحميه من السرف والتبذير، وقد أكد على هذه القيمة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، فقال: «إن الأمن الغذائي منظومة متكاملة لا تتعلق بإنتاج الغذاء فقط، وإنما بثقافة التعامل معه، لذلك فإننا نشدد على ثقافة ترشيد الاستهلاك، والتخلي عن عادة الإسراف التي لا تتوافق مع تعاليم ديننا الإسلامي».

وقد تجلت في دولة الإمارات الكثير من القيم والمبادئ المشرقة، ومنها الطموح الذي لا يعرف حدوداً ولا حواجز، فقد حققت دولة الإمارات في هذه الفترة إنجازات مذهلة، في ظل قيادة حكيمة لا تعرف مستحيل، وشعب متلاحم ملتف حول قيادته الحكيمة، فقد تجلت في دولة الإمارات قيم الوحدة والتلاحم بين القيادة والشعب في مواجهة الوباء، حتى أضحت نموذجاً ملهماً في ذلك.

لقد أكدت أزمة كورونا أن العالم يجب أن يمضي نحو تعزيز مزيد من القيم التي ترتقي بالحياة البشرية، وتمدها بالمبادئ والموجهات السليمة للتعامل مع الأزمات والكوارث، وهو ما يتطلب من العلماء والمفكرين والمثقفين الإسهام الفاعل في تعزيز هذه المسيرة الحضارية؛ لبناء منظومة إنسانية راقية من القيم والمبادئ التي تحقق الخير للجميع.

 

الأكثر مشاركة