النفور من الشخصية النرجسية

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما ينتابنا شعور متضخم للذات، والتعالي، والغطرسة، والرغبة الملحة في البحث عمن «يبجلنا» فقد يكون ذلك مؤشراً على الوقوع في فخ النرجسية. تروى الأساطير أن نرجس Narcissus شخص في غاية الوسامة نظر إلى وجهه في صفحة الماء لبركة راكدة فأعجب بنفسه أيما إعجاب الأمر الذي أنساه ما يستحق الاهتمام من حوله. وانسحب ذلك على سائر شؤون حياته وتعاملاته مع الناس.

ذلك أن النرجسي شخص لا يقاوم الشعور بالبحث عن من يبالغ في مديحه والثناء عليه بشكل متواصل. كلنا نحب المديح لكن عندما نغضب من عدم المديح أو الثناء المستمر فهنا مكمن المشكلة. ولذلك كان التحدي في التعامل مع النرجسي، ازدراءه لجهود الآخرين، وعقدة تضخيم الذات فيرى نفسه متربعاً على رأس الهرم الاجتماعي. ولا يجد في نفسه تعاطفاً يذكر مع الآخرين، لأنه يعتقد بأنه وحده الجدير بالثناء وأن من حوله كتلة من العيوب التي لا يراها أحد سواه!

يا لها من ورطة كبيرة عندما يكون هذا النرجسي أخاً أو صديقاً أو مديراً أو زميلاً. فلا يستطيع الإنسان الفكاك منه لاعتبارات اجتماعية أو مهنية ونبقى أمام خيار التعامل مع هذا الواقع المرير.

التحدي الذي يزعج الناس، أن النرجسي يسرد لهم إنجازات وهمية ليست موجودة سوى في خياله الافتراضي. وربما أسهم عصر المتابعين الهائل في زيادة الطين بلة فتظن أو يظن أن تلك الأعداد دليل على نجوميته وأهليته للتقدير والثناء الدائم. فيدفع العالم الافتراضي وصخب المتابعين إلى استمتاعه في حفلة المديح. وتنسى تلك المشهورة أو ينسى ذلك المشهور أن أعداد المتابعين قد تكون بسبب رغبتهم بالضحك على تفاهاتهما والبحث عن قصة جديدة يروونها لمن حولهما عن مدى وضاعة البعض.

استشاري الاضطرابات النفسية د.عبدالله أبوعدس يقول إن النرجسية داء يصيب واحداً في المئة من الأفراد وتشكل ما بين 12 إلى 16 في المئة من الذين يرتادون العيادات. وتعود أسباب ذلك إلى أمور جينية، وبيولوجية، واجتماعية، ونفسية. كما أن منشأها قد يعود إلى الاهتمام المفرط للحاجات النفسية والبيولوجية للطفل، أي خارج الإطار الطبيعي، فيشعر المرء بالأنانية، الأمر الذي يولد لديه انطباعاً أن سائر أفراد المجتمع يجب أن يعاملوه بالطريقة نفسها، وبالتالي يدخل في حالة الإعجاب بالذات على حد قوله. ويربي الوالدين النرجسي على عدم طلب المساعدة من الآخرين لأن طلباته مجابة حتى يصطدم «بوحشة العزلة».

وواقع الحال يشير إلى أن النرجسي «هش من الداخل» وقابل للكسر ولذا فهو يتشبث بكل مديح وثناء مهما كان ثمنه. فلا يأبه «بنظرات إشفاق» من حوله أو ازدرائهم لأنه لا يرى لرأيهم وزناً أصلاً!

وجود النرجسيين يزعج من حولهم. فالنرجسي لا يفترض أنه فيه مشكلة أصلاً المشكلة بنظره في الآخرين الذين لا يستوعبون عظمته وإسهاماته وقدراته الخارقة. ولحسن الحظ يمكن التقليل من تداعيات تواصل الناس مع النرجسي إذا ما ذهب بالفعل إلى الطبيب المختص وهناك من الحالات ما يتطلب أخذ عقاقير معينة. وعندما يشعر ذلك الفرد أنه صار محاطاً «بالاكتئاب والعزلة الشديدة» فإنه بحسب الاستشاري د. أبوعدس لابد من علاجه. كما أن المتخصصين في علاج تلك الاضطرابات لديهم من الحلول ما يساهم في تقليل وطأة التعامل مع مجتمع النرجسيين، فهم تتفاوت طبقاتهم كما تتفاوت نظرات النرجسي لمن حوله. إذ يقدر هو ويحب من يبجله ويبالغ في مديحه، ويكره ويذم ويحارب من لا يقدر كينونته وإسهاماته. هاتان الفئتان تقلصان خيارات النرجسيين لأنهما لا يشكلان أطياف المجتمع ولذا سيظل النرجسي في عزلة كبيرة حتى يجد ضالته في من يفهمه ويبالغ في مديحه (الفئة الأولى).

ويعود السبب، في بعض الأحيان، للوالدين الذي أفرطوا في «تدليع» النرجسي حتى صار لا يعيش من دون رعاية واهتمام ويكره سنة الحياة وهي حاجتنا لمن يمد لنا يد المساعدة. واللوم يعود أيضاً للفرد الذي استمرأ حفلة المديح حتى تمكنت منه ولم يعد يستطع الفكاك منها.

* كاتب كويتي متخصص في الإدارة

Email