حزب المؤتمر الهندي وطموحات العودة للسلطة

ت + ت - الحجم الطبيعي

يخطط حزب المؤتمر الهندي، الذي قاد الهند إلى الاستقلال، وحكمها لعقود طويلة، من غير معارضة حقيقية، لاستعادة السلطة، من بعد أن تلقى في انتخابات عام 2019 العامة، ثاني أكبر هزيمة مرة في تاريخه الممتد منذ عام 1885، وذلك بحصوله على 52 مقعداً فقط، من أصل 545 مقعداً، فيما تمكن غريمه (حزب بهاراتيا جاناتا)، أن يحصد منفرداً 303 مقاعد، وأن يحصل مع حلفائه المنضوين تحت قيادته (التحالف الوطني الديمقراطي)، على 353 مقعداً.

ومما لا شك فيه، أن تلك الضربة القاصمة لحزب المؤتمر، كانت السبب الرئيس وراء استقالة العديد من رموزه، وعلى رأسهم زعيمه «راهول غاندي».

على أنه مذاك، جرت مياه كثيرة، ما جعل المؤتمر يستعيد ثقته في نفسه نسبياً، ويحلم بالعودة لحكم الهند، بعد أن كانت التقارير واستطلاعات الرأي، تشير إلى أن الحزب لن تقوم له قائمة في المدى المنظور.

ويمكن القول إن أحد أهم أسباب هذا التغيير، هو ما وصفته الصحافة الهندية بالأخطاء التي وقعت فيها الحكومة. تلك الأخطاء التي يسعى حزب المؤتمر اليوم، لاستثمارها في الانتخابات العامة القادمة، المقرر إجراؤها منتصف عام 2024. فما هذه الأخطاء؟

الحقيقة أن جزءاً كبيراً مما توصفه المعارضة بأخطاء الحكومة، ليس سوى تداعيات لجائحة «كورونا»، التي تسببت في معاناة عامة للعالم والبشرية جمعاء. في التفاصيل، لا بد من الإشارة إلى التعامل البطيء للحكومة الهندية مع الجائحة.

وهو التعامل الذي وضع البلاد في البؤرة العالمية للوباء، وجعل وسائل الإعلام العالمية، تنقل صوراً لمستشفيات مكتظة، وهلع وضحايا في الشوارع، مع تسجيل ثالث أكبر عدد من الوفيات (433 ألف وفاة)، بعد الولايات المتحدة والبرازيل.

وبطبيعة الحال، كان لانتشار الوباء، وما رافقه من قرارات احترازية متأخرة، مثل الإغلاق، وتفاقم البطالة، أثر سلبي في الاقتصاد الهندي، الذي انكمش بنسبة 7.3 %، ما جعل البلاد تعاني من أسوأ ركود منذ استقلالها.

وعلى الرغم من قيام الحكومة بعملية إنعاش اقتصادي، من خلال إطلاق برنامج تنموي ضخم، بقيمة 1.35 تريليون دولار، إلا أن نتائج هذه الخطوة الأخيرة، لن يظهر تأثيرها في معيشة الملايين من الهنود، إلا بعد سنوات.

لقد استغل المؤتمر كل هذه العوامل، لتسجيل نقاط ضد الحكومة، من خلال نزول قادته ونوابه إلى الشارع والبرلمان، واستخدامهم كافة منصات التواصل الاجتماعي، للتشهير بالحكومة، والتنديد بإخفاقاتها، لجهة التصدي للجائحة، وتقديم معالجات بديلة.

ومن آيات ذلك، قيام راهول غاندي شخصياً، بإطلاق تصريحات قال فيها، إنه كان من بين أوائل السياسيين الذين حذروا من مخاطر الوباء على الهند، وتوقعوا فشل الحكومة في مواجهتها بطريقة سليمة، وذلك في إشارة إلى تغريدة كتبها في فبراير 2020، وكان نصها «فيروس «كورونا» يمثل تهديداً خطيراً لشعبنا واقتصادنا.

شعوري هو أن الحكومة لا تأخذ هذا التهديد على محمل الجد. العمل في الوقت المناسب أمر مهم جداً». وبعد دخول الهند في محنة وبائية حقيقية هذا العام، عاد وغرد في مايو الماضي قائلاً: «إن أزمة نقص اللقاحات والأكسجين والإمدادات الطبية، هي أزمة حقيقية، على عكس ما يصوره لكم رئيس الوزراء».

لم يكتفِ حزب المؤتمر ورموزه بما سبق، لتشويه صورة الحكومة في أعين الناخب الهندي، وإنما نشطوا بالتزامن على جبهة أخرى.

إذ مزجوا انتقاداتهم لما سموه بمسؤولية الحكومة عن تردي الأوضاع المعيشية للطبقات الفقيرة والمهمشة، بمواقفهم المضادة لثلاثة قوانين مثيرة للجدل، أقرتها الحكومة نهاية العام الماضي، وتهدف إلى تحديث القطاع الزراعي، زاعمين أن تلك القوانين، ستزيد المزارع الهندي فقراً، ولن تستفيد منها إلا مؤسسات الأعمال التجارية الكبيرة.

وهنا أيضاً، امتطى راهول غاندي جراراً زراعياً الشهر الماضي، وسار به نحو البرلمان، كنوع من الدعم الرمزي للمزارعين الهنود، ضد القوانين المشار إليها، والتي زعم غاندي أنها تضر بالأمن الغذائي للهند، وبمثابة حكم بالإعدام على المزارع الهندي الفقير. نخالة القول، إن الوقت لا يزال مبكراً لنقول إن خطط حزب المؤتمر ستؤتى أكلها.

فأمام «بهاراتيا جاناتا»، ثلاث سنوات أخرى في السلطة، قد تتغير فيها الظروف والمعادلات السياسية لصالحه، وقد تستفحل خلالها مشكلات حزب المؤتمر، من تلك التي كانت سبباً في هزيمتيه في انتخابات 2014 و2019، وهي مشكلات باتت مزمنة، وتتلخص في الفساد والانقسامات الداخلية، وتنافس الرموز القيادية، والابتعاد عن نبض الفئات الشابة من الناخبين، ناهيك عن شيخوخته، وتكلس آلياته وأفكاره.

Email