لدينا في علم القيادة نظريات عدة تحاول أن تصف سلوكيات الناس في المجتمع. ما يهمني هنا نوعين رئيسين يسبب أحدهما معاناة كبيرة للمتعاملين معه. وهو المسؤول الانتهازي الذي ينجح في الوصول إلى أهدافه الشخصية.
وهو حق مشروع لكل إنسان، غير أن المشكلة تكمن في أنه على استعداد لأن يضرب بمصالح المؤسسة بعرض الحائط ما أن يتعارض ذلك مع مآربه الشخصية، مثل توقيعه على عقد لا يفيد عمله بقدر ما يتكسب منه شخصياً من ناحية مادية.
وهو كذلك يصب جل تركيزه على قضية الشللية أو «تضبيط نفسه» مع الإدارة العليا، فهو يجيد ما يسمى بالإنجليزية الـpolitics أي الأمور البعيدة عن المهنية أو يدرك من أين تؤكل الكتف، فيبدأ بسيل من المديح لمديره السيئ، وحفلة النفاق، ولكنه على النقيض من ذلك كله لا يلقي اعتباراً للمخلصين والمتفانين في إدارته. فهو كما يسمونه الإنجليز جيد في قضية managing up أي إدارة علاقته مع مديره لكنه في غاية السوء مع من هم دونه في التراتبية الإدارية. ولذلك ينسى أن العاملين معه لن يفزعوا له إذا ما كاد أن يرتكب خطأ جسيماً قد يدفع ثمنه غالياً عبر الفصل من العمل أو الإنذار وذلك لسبب بسيط وهو أنه سخر حياته الوظيفية كلها لخدمة نفسه. مع أن فكرة القائد الفعال تتمحور حول رعاية اتباعه والاهتمام بهم فهم سنده وسواعده.
مشكلة هذا المسؤول الانتهازي أنه يترقى بسرعة مذهلة في السلم الإداري، وهذا ما يفاقم خيبة أمل من حوله. فهم يرون أن ما يفعله يثمر في تحقيق أهداف. غير أن البعض لا يستطيعون مجاراته لأنه لا يهتم فقط في علاقاته الداخلية بل حتى الخارجية التي تعينه على الوصول إلى أهدافه. هذا الانتهازي أو الأناني من حقه أن يهتم بنفسه لكن هناك فارقاً بين المرؤوس وبين القائد فالآخرين يتوقعون من المسؤول أن يهتم بمن حوله تماماً كما يهتم بنفسه وبمستقبله. ولذلك إذا ما استقال عمت الفرحة أرجاء العمل ابتهاجاً بفراقه.
وعلى النقيض هناك القائد الفعال effective الذي إذا ما غاب ليوم أو بضعة أيام افتقده الجميع. وإذا ما استقال حزن الموظفون على وداعه. وأقاموا له الاحتفالات الوداعية تكريماً له. وذلك لأسباب عدة منها أنه كان عوناً ونصيراً وداعماً ومشجعاً لكل من يعمل تحت إمرته. فهو يمارس القيادة الحقة التي يشغلها تطوير الناس، وتمكينهم، ومنحهم فرص الترقي في السلم الإداري، وتذليل كافة العقبات أمامهم.
ربما يعتبر البعض هذا أمراً بديهياً غير أن واقع الحال يشير إلى أن من المسؤولين من يتعمد وضع حجرات عثرة أمام مرؤوسيه الذين يصغرونه سناً وخبرة (وليس منافسيه أو أنداده). وهذا إن دل على شيء فهو يدل على ضعف الشخصية أو ربما تغلغل الأنانية في نفسه. فهو يعتقد أن رزقه سيستحوذ عليه غيره. وينسى أن في عبر الحياة يوماً لك ويوماً عليك، وكما تدين تدان.
إذن خلاصة القول إن المسؤول الفعال هو الذي يركز على الموظفين من حوله كما يهتم بنفسه، أما الانتهازي فيأتي أتباعه أو مؤسسته في آخر قائمة أولوياته! والانتهازي شغله الشاغل مديره، مهما كان سيئاً، لأنه يرى فيه سلماً نحو تحقيقه أهدافه. ولذا تجد المسؤول الانتهازي مستعداً لأن يكون أول من يقفز من السفينة (العمل) فور ما يحدث لها مكروه ولا يعبأ بمن ينتظرون في داخلها من (مرؤوسيه) أو ركابها. وفي ذلك أقبح صور الوضاعة والانتهازية.