تطرّف المناخ يتوعّدنا

ت + ت - الحجم الطبيعي

جائحة «كورونا» تعطينا بالكاد الوقت الكافي لنلتقط أنفاسنا ونخطط بسرعة لكيفية التعايش معها تارة ومواجهتها تارة أخرى لشهر إضافي، وفي أفضل الحالات شهرين. فهي تطور من نفسها وتحدث نسخها وتطل علينا بين الحين بتحور جديد وتطور لم يكن في البال.

ونحمد الله كثيراً على أن دولاً في مقدمتها الإمارات ومصر والسعودية والبحرين نجحت في التعامل بقدر كبير من الكفاءة مع الوباء الذي غزا العالم، كل منها بحسب قدراتها وإمكاناتها وتركيبتها السكانية.

لكن الكوكب لن يؤجل أزماته الأخرى ومواجهاته العديدة لحين الانتهاء من ملف الوباء. وما الحرائق التي تجتاح أرجاء عدة من دول العالم، بالإضافة لموجات الجفاف والأمطار الغزيرة والحرارة الشديدة، إلا براهين تقول لنا بكل صراحة إن الوباء ليس أخطر ما يواجهه سكان الكوكب ومخلوقاته ونباتاته. فتغير المناخ وما نشهده بأنفسنا على مدار الأسابيع الماضية من اشتعال حرائق، وبعضها في دول لم تعانِ من قبل من ظاهرة اشتعال النيران في غابات أو ما شابه.

التقرير الخطير الصادر قبل أيام عن اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ لم يفاجئنا أو يباغتنا بما لم نكن نعلم. فجميعنا يعرف بشكل أو بآخر أن البشر هم المسؤولون عن الزيادة الحادثة في درجات الحرارة.

وأغلبنا على يقين بأن الكوارث التي نشهدها من جفاف وأمطار غزيرة بعضها يؤدي إلى فيضانات وارتفاع درجات الحرارة ليست نهاية المطاف، بل هي جزء من المطاف. الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يخبرنا بأن ما نشهده حولنا ليس الكارثة، لكنه تحذير من الكارثة المدوية التي تلوح في الأفق. ويكفي أننا موعودون بدرجة ونصف مئوية زيادة في درجات الحرارة خلال العقدين المقبلين، وهو ما يعني عودتنا، نحن سكان الأرض في العقد الثالث من الألفية الثالثة إلى مستويات ما قبل الثورة الصناعية.

هذا الارتفاع يهدد دولاً بالفناء والاختفاء، وأخرى بالضرر البالغ الذي يحتاج عقوداً لمحو آثاره. وخلاصة القول إن تغيّر المناخ الذي أوصلنا إلى مرحلة ما قبل الكارثة بقليل يحتاج إلى تحركات وتدخلات آنية. فقد تُرِك ملف أنشطة البشر الضارة بالبيئة وزيادة نسبة الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي دون تدخل أو اهتمام كافيين أطول مما ينبغي. وعلى الرغم من حتمية الاتفاق الأممي على تحركات موحدة سريعة، إلا أن التطرق إلى ملف المسؤولية عما وصلنا إليه اليوم أمر مهم. بروتوكول كيوتو الذي تم اعتماده في اليابان عام 1997 ودخل حيز التنفيذ في عام 2005 وصدقت عليه 180 دولة يخبرنا أن الدول المتقدمة هي المسؤول الرئيسي – وليس الوحيد - عن ارتفاع مستويات انبعاثات الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، وذلك على مدار 150 عاماً من النشاط الصناعي.

الغريب في الأمر هو ظهور نبرة غربية تحمّل الدول المنتجة للنفط والغاز الجانب الأكبر من المسؤولية. ليس هذا فقط، بل تظهر أصوات لـ«خبراء» مناخ بين الحين والآخر تحصر حلولها المقترحة لمواجهة كارثة تغير المناخ في هذه الدول سواء بتقليل الإنتاج وتقليصه أو تقديم المساهمات المادية الأكبر للتكيف العالمي ومواجهة الآثار المتواترة. ومن أفضل ما قيل في هذا الشأن هو أن الدول التي تتحمل المسؤولية التاريخية الأكبر لحدوث التغير المناخي مستمرة في امتلاك التأثير الأكبر على النظام المناخي ومن ثم على النظام العالمي القديم والجديد.

مرة أخرى، لا نملك رفاهية الوقت للشد والجذب حول من يتحمل المسؤولية أكثر مِنْ مَن؟ لكن توزيع أدوار المرحلة الجديدة في إنقاذ كوكب الأرض مشيّد على أساس المسؤوليات. فليس من المعقول أو المنطقي أو العدل أن تلتزم الدول الأكثر تسبباً في الكارثة الصمت وكأن المناخ لم يتغير والحرارة لم ترتفع والجفاف لم يحدث والفيضانات لم تفِض. هذه الدول دائماً تحدثنا عن الديمقراطية والمسؤولية والعمل الجماعي والصالح العام وإنقاذ البشرية وحقوق الإنسان.

وكل ما سبق من قيم عظيمة وأفكار رائعة ومبادئ نبيلة كفيلة بإنقاذ كوكب الأرض مما يحدق به من كارثة مناخية كبرى هي على الأرجح أفدح من كورونا وأثقل من الاقتتالات والصراعات. وعدم الامتثال لهذه المبادئ، أو الانتقاء في تطبيقها يعد ترجيحاً لكفة تطرف المناخ.

إنقاذ الأرض من مخالب تغير المناخ لن يتم على يد دولة دون أخرى، أو باعتناق جزء من القيم الإنسانية والتخلي عن الجزء الآخر. حتى الجهود الفردية والمبادرات الأهلية التي نتابعها بكل إعجاب في محاولات حثيثة للمشاركة في إنقاذ الأرض لن تجدي رغم روعتها. إنقاذ الأرض لن يتم إلا بتكاتف سكان الأرض، فإما أن ننجو جميعاً أو ينتصر علينا تطرف المناخ.

Email