ارتفاع درجة حرارة المؤسسات: مؤشر لأمراض إدارية

عندما ترتفع درجة حرارة جسم الإنسان عن المستوى الطبيعي المتفق عليه طبياً، يكون ذلك بمثابة منبه على وجود مشكلة صحية في الجسم، تستدعي علاجاً ما أو تدخلاً طبياً من نوع معين. أي أن الحمى ليست مرضاً بحد ذاتها، بل هي مؤشر على وجود مرض ينبغي علاجه كي تختفي الحرارة بعد ذلك بإذن الله تعالى. 

في الوقت ذاته، عندما ترتفع درجة حرارة كوكب الأرض عن المعدلات الطبيعية التي يقررها عادةً علماء البيئة، يكون ذلك بمثابة منبه على وجود خلل معين يستدعي تكاتفاً بين حكومات دول العالم المختلفة، من أجل ضبط النشاطات الصناعية للتمكن من المحافظة على درجة حرارة الأرض عند مستويات مقبولة. هذا الأمر يعني أيضاً أن مسألة ارتفاع درجة حرارة الأرض لا تعبر عن أصل المشكلة، بل هي مؤشر على وجود ممارسات معينة من قبل سكان كوكب الأرض، ينبغي مراجعتها وإعادة النظر فيها بغية تحسينها وجعلها متوافقة مع مبادئ الاستدامة البيئية. 

على نسق المثالين السابقين، نجد أن هناك مؤسسات تعاني من ارتفاع درجة حرارتها أيضاً، الأمر الذي يدل على وجود أمراض إدارية تستدعي تدخلاً موضوعياً لمعالجتها، والقضاء عليها. في هذا المقام من الضروري جداً تمييز الحلول والعلاجات المؤقتة، عن الحلول الدائمة والجذرية. بعض المديرين مع الأسف يتعاملون مع أعراض المشكلات، فيقومون باتخاذ إجراءات تؤدي إلى تدني درجة حرارة المؤسسة المريضة مؤقتاً، ثم بعد ذلك تعود درجة الحرارة للارتفاع بعد زوال أثر تلك الإجراءات المؤقتة. في حين نجد القادة والمديرين المميزين يفتشون عن جذور المشكلات التي أسهمت في ظهور الأعراض بغية معالجة الأسباب التي أدت إلى ارتفاع درجة حرارة المؤسسة، وهذا هو الإجراء السليم والمنطقي، لأن معالجة الأسباب ستؤدي بحول الله إلى اختفاء الأعراض مباشرة. 

بالإمكان تحديد الأمراض الإدارية التي تعاني منها المؤسسات بناءً على 3 أصناف، وذلك على النحو الآتي: 

الصنف الأول: أمراض تتعلق بسياسات وقوانين ونظم العمل، مثل نظام استشراف المستقبل والتخطيط الاستراتيجي، نظام الجودة والتميز المؤسسي، نظام العلاقات العامة والإعلام، نظام صنع واتخاذ القرارات وحل المشكلات، نظام الإدارة المالية وضبط العمليات المحاسبية، نظام إدارة المشتريات، نظام إدارة المبيعات والتسويق، بالإضافة إلى هذه النظم المذكورة على سبيل المثال لا الحصر، هناك نظام إدارة الموارد البشرية الذي يتمتع بأهمية خاصة كونه يتضمن مجموعة من النظم الفرعية ذات التأثير الكبير في دعم مسيرة العمل المؤسسي، وهي: تخطيط الموارد البشرية، استقطاب واختيار وتعيين المواهب والكفاءات، تحليل وتوصيف الأفراد والوظائف، نظام تدريب وتطوير العاملين، نظام الرواتب والأجور، نظام الحوافز والمكافآت المالية والمعنوية، نظام الترفيعات والترقيات، نظام إدارة وقياس الأداء وما يتعلق بصياغة الأهداف الذكية للموظفين.

الصنف الثاني: أمراض تتعلق بطبيعة العلاقات الوظيفية والإنسانية القائمة بين المديرين والموظفين من جهة، وبين الموظفين أنفسهم من جهة أخرى، مثل عدم ثقة المديرين بالموظفين، استحواذ المديرين على السلطة، تجنب إشراك الموظفين في عمليات صنع القرارات وحل المشكلات، شيوع مشاعر الحقد والضغينة والحسد والغيبة والنميمة بين الموظفين، ضعف الالتزام بقيم الصدق والنزاهة والإخلاص في العمل. 

الصنف الثالث: أمراض تتعلق بانفصال المؤسسة عن محيطها البيئي «العالمي والإقليمي والمحلي»، هذا المرض ناتج عن الخلل في نظام استشراف المستقبل والتخطيط الاستراتيجي الذي تمت الإشارة إليه آنفاً ضمن الصنف الأول من الأمراض الإدارية، والذي يجعل المؤسسة تفقد بوصلة الانتقال الآمن من الحاضر نحو المستقبل. 

ختاماً.. ينبغي على شاغلي المراكز القيادية والوظائف الإشرافية، الانتباه إلى الأمراض الإدارية التي تعاني منها مؤسساتهم، والاجتهاد في معالجتها، وصولاً إلى ضبط درجة حرارة تلك المؤسسات عند المعدلات الطبيعية، وللمحافظة على بيئة عمل صحية ومنتجة.

الأكثر مشاركة