عقد في الأسبوع المنصرم مؤتمر حول قضايا الشرق الأوسط عبر منصة «زووم». وقد شارك في المؤتمر العديد من الشخصيات الدبلوماسية والصحفية والباحثون في شأن الشرق الأوسط من كافة أصقاع العالم.

ورغم أن المؤتمر تحدث عن عدة مواضيع من ضمنها الجيل الجديد من الشباب وقضايا الاقتصاد والتجارة والصراعات في المنطقة والأوضاع في شمال أفريقيا، إلا أن موضوع الانسحاب الأمريكي من المنطقة خيم على أجواء المؤتمر.

والإدراك حول انسحاب أمريكي من المنطقة يعود إلى عدة قضايا رشحت مؤخراً مع الانسحاب الأمريكي من أفغانستان بعد عقدين من الزمن منيت بها الجهود بفشل في تحقيق الأهداف المنشودة. والسبب الثاني يعود للانسحاب من العراق بعد ما يقارب من عقدين من الزمن دشن بالغزو الأمريكي في العام 2003، والآن يتم الانسحاب بطلب عراقي، وبرغبة أمريكية، لإنهاء التواجد الأمريكي في البلاد.

والإدراك والتصور هما نصف الحقيقة في العلاقات الدولية، وقال أحد المعلقين في المؤتمر، بل إنها الحقيقة كاملة. وهناك دلائل على الانسحاب الأمريكي من المنطقة منذ رئاسة باراك أوباما والذي انتخب على أجندة إنهاء الحروب المستدامة في الشرق الأوسط. وقد أعلن حينها الرئيس الأمريكي أن الولايات المتحدة لها اهتمامات أكبر في شرق آسيا. وأن التحول إلى الشرق - كما أطلق عليه أوباما - ضرورة استراتيجية لمواجهة صعود الصين.

وقد أكدت هذا الكلام المستشارة للأمن القومي، سوزان رايس، والتي صرحت بأن واشنطن لن تنشغل بالشرق الأوسط أربعاً وعشرين ساعة وسبعة أيام من الأسبوع؛ وأن الولايات المتحدة لها أولويات أخرى في العالم ومنها إقليم الباسفيك.

وأتى الرئيس السابق دونالد ترامب وفي جعبته قضايا معينة مع العالم والشرق الأوسط. وقد استهل ترامب رئاسته بزيارة إلى المملكة العربية السعودية، حيث حظي باستقبال حافل. وكان هدف الزيارة تعزيز الجبهة لمحاربة الإرهاب وعقد علاقات جديدة أساسها تبادل المنفعة. وكما هو معروف فإن الرئيس السابق انتقد انخراط الولايات المتحدة في شؤون الشرق الأوسط. وقد صرح في أكثر من مناسبة أن المنطقة يجب أن تسهم في حماية أمنها.

ومما يعزز من وجهة النظر التي ترى أن الولايات المتحدة تنسحب من المنطقة هي الاكتفاء الذاتي التي توصلت إليه من الطاقة بسبب التطور التقني لاستخراج النفط الصخري، والسعي لبدائل نظيفة للطاقة من الرياح والشمس والطاقة الحيوية. ويعد هذا سبباً إضافياً مهماً، إن لم يكن رئيساً للتحول الأمريكي المتوقع.

ورغم أن كثيراً من هذه الأسباب معقولة وصحيحة، إلا أن هناك مصالح جيوسياسية كبيرة للولايات المتحدة في المنطقة لا يأخذها كثير من المراقبين والمحللين. أولى هذه المصالح الجيوسياسية تتعلق بالتنافس مع الصين. يرى خبراء العلاقات الدولية أن هناك تنافساً شديداً بين الولايات المتحدة والصين، والتي تحاول أن تكون القوة الأولى في منطقة الباسفيك، وفي المستقبل القوة العظمى الأولى في العالم. وتعتمد الصين على منطقة الخليج كمصدر للطاقة. ولا شك أن الولايات المتحدة ترى في منطقة الخليج رافعة مهمة ضد الصين.

إضافة إلى ذلك فإن استقرار منطقة الخليج مهم لاستقرار أسواق الطاقة. ورغم الاكتفاء الذاتي للولايات المتحدة من الطاقة إلا أن أسواق الطاقة متداخلة، وأي ارتفاع لأسعار النفط بسبب الاضطرابات في منطقة الخليج سيكون له تأثير على الأسعار في الولايات المتحدة؛ وإن أي ارتفاع حاد في أسعار النفط سيؤدي بالضرورة لنتائج سلبية على الاقتصاد العالمي. والمهم ليس أين ينتج النفط، بل هل سيتدفق النفط إلى الأسواق العالمية دون انقطاع والذي سيحدد أسعاره.

والنفط ليس مهماً كمصدر للطاقة فحسب، بل إن تحديد أسعار النفط بالدولار له أهمية كبيرة للولايات المتحدة. فالتسمية بالدولار يعني زيادة الطلب على الدولار والذي ينعكس على العملة باعتبارها الوسيلة الأولى للتبادل التجاري. وإذا ما تغير هذا الواقع فإنه من المشكوك أن يتمتع الدولار بالهيمنة كعملة للتبادل التجاري، خاصة أن الولايات المتحدة تخلت عن تغطية عملتها بالذهب منذ العام 1971.

ولا يسع المجال هنا لتفصيل كثير من المصالح الاستراتيجية لإبقاء الاهتمام الأمريكي بالمنطقة. ويكفي أن نذكر أن إسرائيل وأمنها من ثوابت السياسة الخارجية تجاه المنطقة؛ ولا يبدو أن ذلك سيتغير قريباً. كما أن مكافحة الإرهاب سيكون دائماً وأبداً محط اهتمام لواشنطن باختلاف أطيافها السياسية.

الموضوع شائك يستحق كثيراً من البحث والتدبير لفهم ما هو قادم، بدلاً من الحديث الفضفاض المبني على انطباعات قد تصدق وقد لا تصدق!