التفكير خارج الصندوق

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يختلف اثنان على أنّ إعادة بناء الإنسان هي واحدة من أشقّ المهام التي لا يتصدّى لها إلا أصحاب الهِمم العالية والإرادة القوية من القادة والمفكرين والمصلحين، وأنّ الانتقال بنمط الحياة من طابع الروتين السلبي الذي يجمّد الطاقات، ويبعث الملل والسآمة في النفس الإنسانية هو أمرٌ في غاية الصعوبة ولا يقوى عليه إلا أهل الصبر والبصيرة، وأنّ النظر الفاحص لطبيعة التقدم والإبداع في الحياة الإنسانية سيكشف عن أنّ التغيير والخروج من مدار الطاقة السلبية داخل الإنسان هما وراء كل إنجاز متفرد للبشرية على هذا الكوكب الدوّار في هذا الكون العجيب.

ضمن هذه البؤرة العميقة من الاهتمام بتغيير نمط التفكير وتحريك الهمم والطاقات يواصل صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبيّ، رعاه الله، سيرته اللامعة ومسيرته الرائعة في تغيير أنماط التفكير لدى أبناء الوطن الذين يرتقبون إطلالته الواثقة على وسائل التواصل الاجتماعي في ومضاته القيادية التي تُعيد النظر في كثير من المسلّمات، وتبحث عن أفق دائم متجدد للعطاء والإبداع والابتكار، وتعمل على تخليص الإنسان من الطاقة السلبية التي تتراكم على ملكاته بفعل الروتين القاتل الذي يُجفّف منابع الشعور الإيجابي بالحياة، ويبعث في النفس كثيراً من الإحساس بالكسل والخمول وعدم الرغبة في الإنجاز فضلاً عن التجديد والابتكار، وفي هذا السياق نشر سموه ومضة قيادية بالصوت والصورة على حسابه في إنستغرام انطلق فيها من فكرة الصندوق المغلق الذي يعني بقاء ما هو موجود على ما هو عليه، وعدم التفكير في التغيير، حيث دعا صاحب السموّ إلى ضرورة مغادرة الصندوق المغلق، واستنشاق نسيم التجدد، والانخراط في حياة تليق بالإنسان ومجده العالي على هذه الأرض.

(الخروج من الصندوق معناه إنه نطلع من حدود الروتينية ونتقدم)، والمراد بالصندوق كما وضّحه سموه هو الاستسلام لنمطٍ محدد من الحياة في جميع المسارات، ولا سيّما داخل الوظيفة والعمل، فالصندوق هو سجن يختاره الإنسان من خلال الإلف والارتماء في وهدة الكسل وعدم التفكير في تغيير نمط الحياة، وهذا يعني البقاء في منطقة محددة لا يغادرها الإنسان الروتيني إلا ريثما يعود إليها، فالمطلوب بحسب عبارة صاحب السموّ هو الخروج من هذه القوقعة القاتلة للطاقات، وعدم الاكتفاء بالخروج بل لا بدّ من طرح صيغة جديدة للحياة تقوم على فكرة التقدم للأمام، فالروتين كفكرة ونمط حياة متجمدة لا بدّ من مواجهته بفكرة مضادة تقوم في جوهرها على التقدم من خلال إنجاز كل ما هو جديد ومبتكر لأن ذلك هو المحرّك للطاقات الإنسانية، ومن ينظر في مسيرة الشعوب المتحضرة من حوله والتي تمسك بزمام الإبداع والصناعة يجد أنها أمم تحارب الروتين وتحتفي بالإبداع، لا بل إن الإبداع عندهم هو كسر قيود الروتين لا أكثر ولا أقل، ومن ينظر في حال أمم الشرق الكسولة يجد أنّ عيبها الأكبر هو هذه القناعة السلبية بالموجود وعدم التفكير بالتغيير في الحياة، بحيث وصلنا إلى هذا الطريق المسدود الذي جعل الكثير منا عالة على الأمم والشعوب الأخرى في جميع مظاهر الحياة.

(أهمّ شيء هو التخطيط) وهذا التشخيص الدقيق للروتين الذي جاء في كلام صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد السابق يحتاج إلى توضيح، فجاء هذا المقطع لكي يوضح الطريق للخروج من هذا الداء الوبيل، فكان التخطيط الذكي المدروس هو الحل وطوق النجاة للخروج من بحر الكسل والترهّل وانعدام الرؤية فضلاً عن خمول الطاقات، والتخطيط في فكر صاحب السموّ هو إكسير النجاح وهو الخطوة التي تتقدم جميع منجزاته الكبرى في هذه الحياة، وكم من الأحلام التي كانت تراود خياله الغضّ ظل يخطط لها حتى رآها واقعاً ملموساً على أرض الواقع، فهو حين يلفظ كلمة «التخطيط» فإنه يعني ما يقول، ويثق بما يقول، لأنّ التخطيط هو الممارسة اليومية في برنامج صاحب السموّ الحافل بجلائل الأعمال وكبير المنجزات، ومن هنا فإنّ العشوائية والارتجال لا وجود لهما في قاموس صاحب السموّ العملي، فالتخطيط أوّلاً وثانياً وآخِراً ودائماً.

(الحمد لله، فكر الإنسان يعني ما له حدود، لا بدّ أن نشد الهِمَم، لا بدّ نشدّ الهمم)، وكما يعتزّ سموه بالطاقة الإيجابية للإنسان فهو شديد الاعتزاز أيضاً بملكات الإنسان الفكرية التي تستحق الحمد والشكر للواهب الكريم الذي منح الإنسان أشرف العطايا بهذا العقل البديع الذي لا يعرف الحدود حين يكون في مداره الصحيح، فكل ما أنجزته البشرية من فنون الإبداع هو ثمرة العقل الرشيق الذكي الذي يلاحظ ويفكر ويتأمل ويحلّل ويستخرج الأسرار، فالعقل النشيط غير محدود، كلما زاد تفكره زاد عطاؤه على العكس من العقل الخامل الذي لا يزيد عن كونه ذاكرة رديئة في أحسن الأحوال، ولذلك يتوجه صاحب السموّ إلى أبناء الوطن بضرورة شدّ الهمة ورفع سويّة العمل، ويؤكد على ضرورة ذلك لأن ذلك هو صمام الأمان لمسيرة الوطن والضمانة الموثوقة لمزيد من العطاء والإنجاز.

(لأنّ هذي بلدنا، ودامنا على رؤوس العمل لازم تجتهدون)، وإذا كان جميع ما مضى من الومضة موجّهاً للعقل ومنشّطاً للإرادة، فإنّ هذا القسم الأخير من الومضة قد توجّه به صاحب السموّ إلى الوجدان النقي لأبناء الإمارات الذين يعرفون قيمة الوطن، فالدافع الأكبر في نظر سموه للخروج من الروتين والانخراط في مسار الإنتاج الصحيح هو أنّ هذا الوطن هو وطننا الذي يستحق كل خير وعطاء، وما دام نحن نتسلم أمانة العمل ونتحمل المسؤولية فإنّ مقتضى الواجب هو بذل المزيد من الجهد حتى يتأكد الإنسان من خلال ضميره أنه يقدم لوطنه أفضل ما لديه من الأفكار، وأروع ما في جعبته من المنجزات، فبهذه الروح الوطنية النشيطة المحتدمة يتقدم الوطن، ويرتقي البناء، وتشعر الروح العامة للشعب أنّ هناك وطناً يستحق المزيد من البذل والعطاء، لتظلّ الإمارات كما هو مخطط لها واحة أمن وسلام وعطاء لا ينضب، تسير واثقة مطمئنة يحدوها الغناء الصافي ويحميها السيف الصقيل، ويكتب قصة مجدها فارسها وشاعرها وحارس قلعتها صاحب السموّ وشيخ الفرسان محمد بن راشد، الذي نتعلّم منه كل يوم درساً جديداً من دروس الحكمة والتفاني في محبة الأوطان.

Email