جرت الانتخابات الرئاسية الإيرانية هذا الشهر، وكما كان متوقعاً فإن إبراهيم رئيسي انتخب بغالبية مريحة. ويبدو إن الإصلاحيين والمحافظين يناوبان على الرئاسة كل فترتين وكأني بهم أرجوحة سياسية تَمَوَّرَ بين الحين والآخر.

ورغم الافتتان بالانتخابات الرئاسية الإيرانية في كل مرة، ومتابعة الأجهزة الإعلامية ومراكز البحوث والدراسات للحملات الرئاسية، إلا أن هناك قناعة راسخة لدى البعض تساؤلات بشأن أهمية الرئاسة كمؤسسة حكم في إيران.
ولمعرفة موقع الرئاسة في النظام الإيراني علينا أن نفهم علاقات المؤسسات الإيرانية مع بعضها البعض. أي فهم البنية الأساسية لهذا النظام. وهنا يجب التفريق بين الشخص الذي يحتل المؤسسة وبين المؤسسة في إطارها الدستوري. فالأشخاص والإرادة الذاتية تختلف من شخصية لأخرى، والسلطة الموضوعية للمؤسسة تختلف وتأطر الفعل السياسي للشخص الذي يحتل المنصب.


 

وحسب دستور الجمهورية الإسلامية وتعديلاتها في 1989، فإن الرئيس يأتي في المرتبة الثانية بعد قائد الثورة. ويعطي الدستور صلاحيات واسعة للرئيس فيما يختص بالسلطة التنفيذية. فالرئيس المنتخب مباشرة من الشعب هو رئيس السلطة التنفيذية، وهو من يعين الوزراء بموافقة البرلمان، وهو من يوقّع على الاتفاقيات الدولية وعلى التشريعات التي يجيزها البرلمان إلى ما هنالك من الصلاحيات الممنوحة لرؤساء الجمهورية.

ولكن يختلف الرئيس الإيراني عن أترابه من رؤساء الجمهوريات بأنه يخضع ليس للبرلمان فحسب، ولكن لسلطة «قائد الثورة»، وهنا تكمن الإشكالية في الفهم الدقيق لسلطات الرئيس الفريدة في نظام الجمهورية الإسلامية. ولا يستطيع الباحث أو المحلل أن يتحدث عن سلطة واسعة للرئيس كما في بقية الجمهوريات، ولكن لا يستطيع أيضاً نكران صلاحيات الرئيس في النظام الإيراني كما يفعل البعض.

ورغم هذه الرؤية، نرى البعض يقول عن الرئيس المنتخب الجديد إنه من المتشددين والذي يعني أن السياسة الإيرانية ستشهد تشدداً أكثر. وإذا دل هذا على شيء فإنما يدل على أهمية الرئيس في صياغة السياسات الداخلية والخارجية. وحسب شخصية الرئيس فإن الصلاحيات وقوة المؤسسة الرئاسية تتزايد أو تتناقص.

وإذا ما فهمنا مغزى التعقيد وتداخل المؤسسات في النظام السياسي الإيراني، نستطيع فهم موقع الرئيس في هذا التشابك المؤسساتي. فالنظام السياسي الإيراني هو نظام إسلامي وجمهوري. بمعنى أن شرعية النظام وبالتالي بنيته قائمة على الإسلام كما يراها ولي الفقيه، وجمهوري كما يقرره الشعب.

ومما يزيد المنظومة السياسية تعقيداً هو تداخل وتشابك المؤسسات السياسية. فرغم أن «قائد الثورة» يمثل أعلى درجات السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية إلا أنه مقيد بمجلس الخبراء المنتخب من الشعب مباشرة. كما أن مجلس صيانة الدستور يقيد المجلس التشريعي والرئاسي ويحدد أعضاء مجلس الخبراء قبل أن يترشحوا. وهناك مجلس تشخيص مصلحة النظام والذي يتوسط بين مجلس صيانة الدستور والمجلس التشريعي لجهة الموافقة على مشاريع القوانين، إذا ما اعترض عليه مجلس صيانة الدستور.

وهذا التشابك، بل والاشتباك، يولد ديناميكية خاصة بالنظام السياسي الإيراني يجعله عصياً على الفهم. إضافة إلى ذلك فإن هناك شبكة كبيرة من المصالح غير الرسمية وغير مُؤطِّرة في المؤسسات الرسمية، ولكنها شبكات فاعلة في تحديد السياسات.

وخلاصة القول، فإن موقع الرئيس في النظام السياسي الإيراني لا يمكن حسمه بشكل واضح، ولكن يمكننا تلمّس وفهم دوره من خلال هذا التشابك من المؤسسات. وقد شهدنا تغيّراً في السياسات الداخلية والخارجية بتغير الرؤساء. فعند مجيء محمد خاتمي كانت السياسة الخارجية الإيرانية متلائمة بشكل أكبر مع محيطها الجغرافي. وعندما كان المتشددون في السلطة توترت العلاقات مع الخارج والداخل. وكما قال أبو البقاء الرُّنْدِي: هي الأمُورُ كما شاهدْتها دُوَل ٌ مَنْ سَرَّه زمنٌ ساءته أزمانُ.

 

* كاتب وأكاديمي