دردشات شيطانية

هل تذكرون رواية «آيات شيطانية» للكاتب البريطاني، من أصل هندي، سلمان رشدي؟

كانت رواية رديئة، لا يمكن أن تحقق نجاحاً يذكر، لو لم تخرج المظاهرات الصاخبة في العديد من الدول الإسلامية والغربية منددة بها، ولو لم تقم العديد من الدول الإسلامية وغير الإسلامية بمنع دخولها، ولو لم يتم حرق أعداد كبيرة منها في برادفورد بالمملكة المتحدة، ولو لم يقم الخميني عام 1989 بإصدار فتوى تبيح إهدار دم كاتبها، الذي لم يكن معروفاً قبل إصدار روايته تلك، والضجة التي حدثت بسببها.

لعب سلمان رشدي على وتر التابو الأكبر، وتر الدين الذي يُعد خطاً أحمر يجب الابتعاد عنه، لأن الاقتراب من الدين لدى أصحاب الديانات السماوية على وجه الخصوص، يثير غضب أتباعها ويؤجج مشاعرهم، حتى لو لم يكونوا على درجة عالية من التدين، وهذا هو ما حدث فعلاً لدى أغلب الذين تظاهروا ضد الرواية من دون أن يلمسوا حتى غلافها. ولو أنهم اطلعوا على نسخة منها لوجدوها رواية سخيفة لا ترقى إلى الالتفات إليها، وإيلائها الاهتمام الذي منح كاتبها شهرة واسعة لم يكن يحلم بها، رغم تأليفه ثلاث روايات قبلها، وأدى إلى ترجمتها إلى لغات عدة، رغم أنها رواية مملة تفتقر إلى الحد الأدنى من المواصفات الفنية لكتابة الرواية.

أكثر من ثلاثة عقود مرت على إصدار تلك الرواية، حقق فيها سلمان رشدي، رغم لجوئه للتخفي خوفاً من القتل، مكاسب مادية كبيرة، وحصل على جوائز ما كان له أن يحصل عليها لولا الضجة التي أثيرت حول روايته، التي قامت على حكايات تراثية ضعيفة، ومجاملة لسلمان رشدي عدها الناقد هارولد بلوم «أكبر إنجاز جمالي عند رشدي». الأمر الذي يجعلنا نتساءل: هل كنا سنسمع عن سلمان رشدي لولا تلك الضجة التي أثيرت حول روايته السخيفة تلك؟

ما حدث لرواية «آيات شيطانية» في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، حدث لروايات وأعمال أدبية وفنية أخرى، اكتسبت شهرتها من قرار منعها، مثل رواية «وليمة لأعشاب البحر» للكاتب السوري حيدر حيدر، التي صدرت طبعتها الأولى عام 1983 ولم تثر انتباه أحد وقتها، وعند إعادة طباعتها عام 2000، أصدر الأزهر قراراً يمنعها بسبب «الإساءة للإسلام». الأمر الذي أثار جدلاً كبيراً حولها، وأدى إلى صدور كتب تناقش الرواية وأسباب منعها، كما أدى إلى رواجها بشكل لافت، بعد 17 عاماً من صدورها، وبحْثِ الكثيرين عن نسخها، التي مُنِعت من دخول بعض الدول.

الشاهد في ذلك، أن هناك أشياء تحدث لا تستحق أن نوليها أهمية، لأن إيلاءها أهمية يعطيها أكبر من حجمها، ويلفت الأنظار إليها، في حين أن التجاهل يُسرّع بإحالتها إلى سلال المهملات، ودفعها إلى زوايا النسيان، تماماً كما يحدث مع الكثير من الأمور، وخاصة في هذا الزمن الذي أصبحت فيه وسائط التواصل الاجتماعي وسيلةَ أغلب الناس، يتلقون من خلالها الأخبار وكل ما يتعلق بأمور حياتهم، وأصبح الدخول إليها متاحاً للجميع، وغدا التمييز بين الغث والسمين فيها من الصعوبة بمكان، وأصبح تجنب الغث فيه مهمة صعبة، تماماً مثلما أصبح البحث فيه عن السمين يحتاج إلى دقة وحذر لتجنب الوقوع في الفخاخ التي ينصبها البعض للإيقاع بأكبر قدر من أصحاب النوايا الحسنة، وجرهم إلى الوقوع في مستنقعات قذرة من الأفكار الشيطانية.

إذا كان الطريق إلى جهنم مفروشاً بالنوايا الحسنة، مثلما يقول المثل الإنجليزي، فإن هذه النوايا قد تقودنا أيضاً إلى الوقوع في فخاخ أصحاب النوايا الخبيثة، الذين يستغلون وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة لنشر الأفكار السيئة، وتشويه صور الرموز الوطنية الشريفة. ولهذا علينا أن نكون على قدر كبير من اليقظة والحذر عند دخول «غرف الدردشة» هذه في التطبيقات الجديدة، ليس خوفاً من التأثر بما يقال فيها، ولكن تجنباً لما يقال مما يهدف أصحابه إلى الترويج له من خلالنا، كي لا ننساق إلى الترويج لهذه الأقوال والأفكار عبر الرد عليها لأنها لا تستحق الرد، حتى لو كان الدافع وطنياً خالصاً، تماماً مثلما حدث مع أولئك الذين تظاهروا ضد «آيات شيطانية» قبل أكثر من ثلاثة عقود بدوافع دينية.

الدردشات التي تدور في بعض الغرف تعيدنا إلى قصة الآيات الشيطانية الرديئة، والترويج لهذه الدردشات الشيطانية خطأ فادح علينا أن نتفاداه بذكاء.

* كاتب وإعلامي إماراتي

الأكثر مشاركة