عراق موحد

ت + ت - الحجم الطبيعي

تعطي الزيارة التاريخية للبابا فرنسيس للعراق رسائل عميقة أن مشروع التقريب الديني في العراق ضرورة قصوى لبناء مجتمع موحد تسوده العدالة والسلام، فالتنوع الديني في بلاد الرافدين يجب أن يمثل نقطة قوتهم وليس نقطة ضعفهم ولا بد من المزيد من نشر ثقافة التسامح والتعايش السلمي.


التسامح هو في الجوهر واللب من إرث إنساني وديني متجذر عرفته البشرية منذ الأزمنة الأولى لسيرورتها التاريخية، والعراق يضم تشكيلة من الديانات التي عاشت جنباً إلى جنب عبر التاريخ بانسجام وتفاهم واحترام، ولكن الأمور اختلفت في ظل وجود مخططات لضرب الهوية العراقية الجامعة وتقسيم المجتمعات إلى الأكثرية والأقلية الدينية وتغليب الانتماء المذهبي على الانتماء الوطني، ما أدى إلى اتساع الطائفية والتعصب اللذين يمثلان مصدر الكوارث التي يواجهها العراق. كما أن غياب ثقافة الحوار الديني كان السبب الأكبر في إشعال فتيل الفتنة في العراق.


ليس ثمة مفر من البحث عن الفهم المتبادل بين المكونات الدينية، فالعراق يحتاج إلى مفردة التعايُش السلمي وتطبيقاتها أكثر مِن أي وقت مضى إذ إنه لا يوجد للأسف مشروع حقيقي للتعريف بقيمة التسامح. فالجميع يعتقد أنه على حق ويجب عليه إخضاع الآخر، بالرغم من أن الكل شركاء في الوطن والدين لله والوطن للجميع، فمن الضرورة ترسيخ وشائج المحبة والأخوة والسلام، بما يضمن تعايُشاً سلمياً بين كل هذه الفسيفساء في العِراق، ومن دون هذا يعني العنف ورفض حقوق الآخرين.


التسامح قيمة ما خلا منها مذهب أو معتقد أو دين أو ثقافة، ولا يعني أن يتخلى المرء عن مبادئه وآرائه، وإنما يعني تقبل الآخرين كما هم واحترام أولوياتهمِ ومعتقداتِهم والعمل معاً لبناء المجتمع والدولة، فعلى العراقيين أن يستوعبوا دروس الماضي القاسية لإعادة بناء الثقة ولإعادة روح الأمل لدى جميع الشعب وقطع الطريق أمام دعاة التشدد والتطرف. فالمسؤولية كبرى والحذر مطلوب.

Email