«كورونا».. سباق الفيروس واللقاح

ت + ت - الحجم الطبيعي

يبدو المشهد العالمي في الوقت الراهن، وكأننا نشهد سباقاً مستعراً بين محاولات فيروس «كورونا» المستجد لزيادة وطأة تفشيه عبر العالم، وبين تحركات محمومة من دول العالم المختلفة، للقضاء على هذا الفيروس، وكسر دائرة انتشاره، متسلحة بسلاح اللقاحات التي طورتها بعض الدول والشركات للوقاية منه.

ضمن هذا السباق المستعرّ، يشهد فيروس «كوفيد 19» تحولات مهمة وخطيرة، تمثلت في ظهور سلالات جديدة منه، تتسم بأنها أكثر انتشاراً وعدوانية، مهدت الطريق لانتشار الموجة الثانية من هذا الفيروس التي يشهدها العالم اليوم، والتي دفعت بعدد الإصابات، ليتجاوز حاجز المئة مليون شخص، إضافة إلى وفاة أكثر من مليوني شخص حول العالم، بشكل أجبر العديد من الدول على العودة من جديد إلى سياسات الإغلاق، وتشديد إجراءات التباعد الجسدي، بالتوازي مع تسريع حملة توزيع اللقاحات لتطعيم السكان، بهدف توفير الحصانة والحماية لهم من خطر هذا الفيروس الشرس.

وعلى الرغم من أن حملات التطعيم تمضي على قدم وساق، في العديد من دول العالم، باستخدام اللقاحات التي أثبتت فعاليتها حتى الآن، فإن إشكاليات عدة برزت مؤخراً، تشير إلى أن معركة القضاء على الفيروس قد تستمر لبعض الوقت، ومن ذلك، عدم قدرة الشركات المنتجة للقاحات على توفيرها بكميات كبيرة، تلبي الطلب العالمي المرتفع عليها، فشركة «فايزر» الأمريكية، على سبيل المثال، أعلنت عن تأخير تسليم جرعات اللقاح المقررة في نهاية يناير الحالي، وبداية فبراير المقبل، لأسابيع عدة، وهو الأمر الذي أثار غضب عدد من البلدان، خاصةً الأوروبية منها، والتي كانت تنتظر وصول اللقاح في المواعيد المحددة سلفاً، ووصل الأمر برئيس الوزراء الإيطالي، جوسيبي كونتي، إلى التلويح بمقاضاة شركتي «فايزر» و«أسترازينيكا»، بسبب عدم التزامهما بالمواعيد المتفق عليها لتسليم اللقاحات، خاصة أن إيطاليا وباقي الدول الأوروبية، تعاني من ارتفاعات كبيرة في عدد الإصابات في الوقت الراهن.

الإشكالية الأخرى تتعلق بعدم تكافؤ سياسات توزيع اللقاحات المضادة لفيروس «كورونا» عبر العالم، فبينما نجحت الدول الغنية والمتقدمة في تأمين طلبيات كبيرة من اللقاحات لشعوبها، لا تزال كثير من الدول النامية والفقيرة، غير قادرة على تأمين وصول الحد الأدنى من هذه اللقاحات، وهو ما يعني أن أمل القضاء على الفيروس في المستقبل القريب مستبعد.

وقد دفع هذا الأمر مدير منظمة الصحة العالمية، إلى القول بأن العالم مهدد بـ «فشل أخلاقي كارثي»، بسبب سياسات توزيع اللقاحات غير العادلة.

على مستوى دولة الإمارات، لا توجد مشكلة كبيرة في توفير اللقاحات، خاصة أن قيادتنا الرشيدة، حفظها الله، وبفضل رؤيتها بعيدة المدى، اندمجت منذ البداية في جهود تطوير هذه اللقاحات، واستضافت التجارب السريرية لبعضها، كما أقرت الاستخدام الطارئ لعدد كبير منها، وأطلقت حملة تطعيم واسعة، جعلتها تتبوأ المركز الأول عالمياً حتى الآن، في عدد الذين تلقوا اللقاح، مقارنة بعدد السكان المستهدف.

ولكن الارتفاع في أعداد الإصابات في الأيام الأخيرة، يعيد من جديد الحديث عن أهمية الالتزام المجتمعي بالإجراءات الاحترازية المطبقة في الدولة، وأهمية إسراع المواطنين والمقيمين إلى أخذ اللقاحات، لضمان الوصول إلى النسب المستهدفة بأقصى سرعة ممكنة، حتى يتم تحصين المجتمع بكامله من هذا الفيروس، والعودة إلى ممارسة حياتنا الطبيعية، ولكي تكون الإمارات أول دولة في العالم تتعافى تماماً من هذا الوباء والقضاء عليه. وهذا يجعلنا نشدد مرة أخرى على أهمية الوعي المجتمعي، وأهمية الالتزام المجتمعي بالإجراءات التي تطبقها الدولة لتحقيق هذا الهدف.

Email