منتدى الإعلام العربي دورة استثنائية استشرافية

ت + ت - الحجم الطبيعي

أن تعقد اجتماع عمل على «زووم» أو غيره من التطبيقات في عصر الوباء، فهذا جميل ويدل على حتمية الاستمرار في العمل رغم أنف الفيروس. وأن تمضي الدراسة في المدارس والجامعات قدماً عبر منصات عنكبوتية، فهذا رائع في ظل الأوقات الصعبة التي نعيشها، ويعني أن علينا تحدي الوباء والمضي قدماً في تعليم الأبناء.

وأن تعقد ورشة تدريبية على «مايكروسوف تيمز» أو «زووم» لأن بناء القدرات وتنمية المهارات ونقل الخبرات لن تتوقف حتى بتوقف الحياة الطبيعية شيء رائع.

لكن أن تقرر دولة أن تمضي قدماً وتعقد منتدى سنوياً هو الأكبر في إقليمها على أثير العنكبوت محتفظة بالحضور الكبير نفسه والفعاليات المتنوعة ذاتها والجدية والتفرد ومواكبة العصر – بل واستباقه، فهذا يستحق الإشادة ويستوجب الاحترام والتقدير.

وإذا كان تقدير التحديات الرهيبة التي يواجهها الكوكب في ظل الفيروس اللعين أمر بالغ الصعوبة، فما بالك بالتخطيط والتدبير والتفعيل، بعد ما اتضحت نوايا الفيروس، وتيقّن الجميع من أنه قد عقد العزم ليبقى معنا لأجل غير مسمى. ليس هذا فقط، بل أنه (الفيروس) ابتكر وخرج علينا بسلالات حديثة لتصبح الحيرة حيرتين والأزمة أزمتين.

وفي وسط كل ذلك، يتابع الوسط الإعلامي العربي والدولي فعاليات الدورة الـ19 لمنتدى الإعلام العربي، بعد ما اندهش الجميع من القرار الجريء بأن يتم انعقاد الدورة بالعند في الوباء. الوسط الإعلامي العربي والعالمي يقول إنها دورة «استثنائية»، وذلك لانعقاد منتدى بهذا الحجم والثقل افتراضياً.

إلا أن صفة «الاستثنائية» تمتد لما هو أبعد من ذلك بكثير. فانعقاد المنتدى في وقت يعلم الجميع أنه الأصعب والأقسى في تاريخ البشرية الحديث هو رسالة أمل وقبلة حياة ستعرف طريقها إلى الملايين ممن يتظاهرون بأنهم على قيد الحياة، لكنهم يصارعون شعوراً داخلياً يخبرهم إنهم فارقوها بعد ما فارقها الأمان.

شعورٌ طاغٍ يجتاح ملايين البشر بأن ملامح الحاضر قد طمسها الوباء، ومعالم المستقبل موّهتها السلالات الجديدة التي أفسدت فرحة اللقاح. الشعور الجمعي بقلة الحيلة وفتور الهمة، بالإضافة إلى عام كامل من التوتّر والقلق، كان في أشد الحاجة إلى ما يكسر سمّه بقليل من الأمل والطاقة الإيجابية.

وهذا تحديداً ما فعلته هذه الدورة الاستثنائية في هذه الأوقات الاستثنائية تحت رعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، هذه الدورة من منتدى الإعلام العربي تحمل رسالة استثنائية مفادها أن الحياة ستستمر، وأن التطور واقع لا محالة، وأن الابتكار والاستشراف يهيمنان.

والحقيقة أن المنتدى - الذي ينظمه نادي دبي للصحافة برئاسة شعلة الأفكار سعادة منى المري – حمل راية الاستشراف الإعلامي والتقني عربياً منذ انطلاقه في 2001. لذلك حين حملت دورة هذا العام 2020 عنوان «الإعلام العربي: المستقبل... رقمي»، فإنه يؤكد ما وصل إليه في دورات سابقة من أن المستقبل الرقمي للإعلام صار حاضراً غير قابل للتأجيل أو التسويف. هذا الحاضر مختلف عن الماضي شكلاً وموضوعاً. وهذا الاختلاف يمكن رؤية ملامحه في كل تفصيلة من تفاصيل الدورة الاستثنائية للمنتدى. المنتدى افتراضي والحضور افتراضي. كل مثبّت أمام شاشته في مكان ما في دولة ما. عناوين الجلسات كاشفة. فالإعلام العربي يجد نفسه تحت المراجعة شكلاً ومضموناً ومنصات ووسائط. ربما تكون المراجعة تأخرت بعض الشيء، لكن الوباء الذي ضرب العالم عجّل بها. والوضع في غرف الأخبار قبل «كورونا» ليس كبعدها. تغيّرات كبرى خضعت لها غرف الأخبار على مدار عام مضى بسبب الوباء. هذه التغيّرات لن تنقشع بنهاية الوباء، لكنها وجِدت لتبقى في النظام الإعلامي العربي الجديد. والإعلام العربي لن يعتنق نهجاً جديداً في ظل نظام عربي أو شرق أوسطي قديم، بل كله سيصبح جديداً في جديد. التحولات الجيوسياسية في المنطقة العربية تفرض سطوتها والإعلام فاعل ومفعول به. ومسارات الشرق الأوسط الجديد كله جاري تحميلها والإعلام في القلب منها.

موضوعات نارية في الدورة الافتراضية الاستثنائية. ولأنها افتراضية وحيث إنها استثنائية، فإن مدة الجلسة الواحدة تتراوح بين عشر وعشرين دقيقة فقط لا غير. حتى توزيع جوائز الصحافة العربية – هذا الحدث الذي ينتظره بفارغ الصبر آلاف الصحافيين والصحافيات العرب- افتراضي في 15 دقيقة.

نعم، إذا كان الحاضر بات رقمياً، فإن المستقبل حتماً رقمي. هكذا أخبرنا منتدى الإعلام العربي في دوراته السابقة، وهذا ما أكده لنا في دورته لهذا العام. وإذا كان الحضور الافتراضي شمل نحو ثلاثة آلاف شخصية من الساسة وقيادات ورموز العمل الإعلامي والمثقفين والمهتمين بالعمل الإعلامي في المنطقة العربية، فإن أثر المنتدى يتعدى الحضور، ويلقي بظلاله المعرفية والاستشرافية والاستبشارية على الملايين.

Email