تركيا والخسارة الاستراتيجية في القوقاز

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ التوقيع على الاتفاق الروسي بين أرمينيا وأذربيجان في نوفمبر الجاري لإنهاء الحرب في إقليم «ناغورني قره باغ»، لم تتوقف الأبواق التركية عن الادعاء بتحقيق «نصر ساحق» في جنوب القوقاز، رغم أن الاتفاق أعاد لأذربيجان «جزءاً فقط» من الأراضي التي سيطرت عليها أرمينيا عام 1994، فالقراءة الحقيقية والاستراتيجية لما حدث بين باكو ويريفان تؤكد خسارة تركيا كل الأوراق والأهداف التي خططت لها منذ 11 عاماً عندما أسست ما سمي «بالمجلس التركي» الذي يضم الدول الناطقة بالتركية في آسيا الوسطى، فما هي الأطراف التي جنت ثمار الحرب في جنوب القوقاز؟ وما هي الخسائر الاستراتيجية التي دفعتها أنقرة؟

المعيار الأول والأخير للانتصار في أي حرب هو تحقيق كل أو بعض الأهداف التي دخلت الأطراف المختلفة من أجلها للحرب، وبقراءة متأنية يتأكد الجميع أن تركيا لم تحقق أي هدف سواء على المدى التكتيكي القصير أو الاستراتيجي البعيد، فالغموض يلف الدولة التركية في مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار، ففي الوقت الذي يروّج أنصار أردوغان أن القوات التركية ستدخل ناغورني قره باغ تؤكد روسيا أن المشاركة التركية ستقتصر على مركز المتابعة فقط، كما أن تركيا التي اكتسبت دورها الوظيفي في المنطقة نتيجة لدورها في مراقبة النفوذ الروسي في القوقاز منذ عام 1952 عندما دخلت حلف الناتو، أصبحت «محل شك» لأقرب حلفائها في واشنطن بعد اتهام وزير الخارجية الأمريكي بممارسة دور «غامض ومشبوه» في القوقاز، وهو ما دفع بومبيو لتجاهل لقاء أردوغان أثناء زيارته الأخيرة لتركيا، وسبب غضب الولايات المتحدة من تركيا هو خسارة واشنطن وحلف الناتو كل الجهود التي بذلوها خلال الثلاثين عاماً الأخيرة للاقتراب من حدود روسيا، فواشنطن ترى في الحرب الأخيرة أنها أفشلت النخبة السياسية والنظام الأرميني الحاكم الموالي للغرب، والذي وصل للحكم عام 2018 بعد ثورة مخملية بقيادة نيكول باشنيان، وأن الوحيد الذي حقق انتصاراً في حرب قره باغ هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فالجميع في القوقاز أدرك أن ذراع بوتين قوية، وأن النصر الذي تحقق لأرمينيا في حرب 1991 ـ 1994 كان بسبب دعم روسيا، وبات الدرس الذي يتدارسه الجميع في شمال وجنوب القوقاز أن «الغطاء الأمريكي» بات غير موجود، وأن الورقة الروسية هي الحاكمة في تلك المنطقة، وهذه أكبر خسارة استراتيجية لأردوغان.

Email