هل الشرق الأوسط بحاجة إلى «صلح وستفاليا» جديد؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعاني إقليم الشرق الأوسط من صراعات عدة منذ أمد، وتتعلق هذه الصراعات بقضايا جيوسياسية وخلافات عقائدية ونزاعات حدودية واضطرابات داخلية. وقد أدت هذه النزاعات إلى تقويض الأمن والاستقرار، علاوة على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المزرية في كثير من البلدان العربية.

ومع المعاهدات السلمية بين دول عربية وإسرائيل يشيع جو من التفاؤل لتجاوز كثير من معضلات المنطقة، وإشاعة جو من السلام والطمأنينة للتمهيد لسلام أوسع لجميع الدول في المنطقة. وفي هذا السياق تأتي دعوة سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي، إلى تعاون أرحب بين دول المنطقة، والابتعاد عما يعكر صفو العلاقات، فقد سئم الجميع حالات الصراع في المنطقة.

وفي مقالة نشرت في صحيفة «وول ستريت جورنال» عشية توقيع معاهدة واتفاقية السلام بين الإمارات والبحرين وإسرائيل برعاية الولايات المتحدة في واشنطن، كتب سمو الشيخ عبدالله بن زايد، إن الأولوية الآن «هي خفض التصعيد والبدء بحوار إقليمي حول السلام والأمن. نحتاج إلى جيران طبيعيين. ومعاهدات عدم انتشار وعدم التدخل هو الهدف».

وتحتاج المنطقة إلى الخروج من هذه الدوامة والتي باتت تعطل التقدّم، من خلال الاستقرار السياسي والأمني أو التنمية الاقتصادية أو التقدم العلمي. وقد شهدت أوروبا في بداية العصور الحديثة دوامة من الاقتتال بسبب الخلاف الطائفي والعصيان والتمرد الداخلي والحركات الانفصالية. وخاضت الدول العديدة حرب الثلاثين عاماً إلى أن استقر بها الوضع إلى وضع اتفاقي سلام عرفا فيما بعد بـ«صلح وستفاليا»، تم التوقيع عليهما في 15 مايو 1648 و24 أكتوبر 1648.

ويرى كتاب نشر أخيراً حول هذا الموضوع بعنوان «نحو وستفاليا للشرق الأوسط» والذي نشر في 2019، أن الأوضاع الحالية للمنطقة مشابهة لتلك التي سادت في القرن السابع عشر في أوروبا. والكتاب هو جهد قامت بها مؤسسات علمية ووزارة الخارجية الألمانية، بالإضافة إلى كثير من الباحثين والمختصين من أوروبا والعالم العربي.

وكان الجهد منصب على إيجاد مقارنات بين الأوضاع في الشرق الأوسط حالياً وحالة أوروبا في بدايات العصور الحديثة. وقد وجد مؤلفو الكتاب، أن هناك ما يكفي من مشتركات بين الحالتين ما يبرر عقد مقارنة بينهما.

ورغم أن هناك عدة حالات أخرى تتعلق بالسلام الإقليمي يمكن استقاء العبر منها، إلا أن «صلح وستفاليا» الأكثر تماهياً مع الحالة الشرق أوسطية السائدة اليوم. وعزا الكتاب التشابه إلى خصائص بنيوية بين الحالتين، تتمثل في أن أزمات الشرق الأوسط عبارة عن خلافات دينية وسياسية مترابطة على المستوى المحلي والمستوى الإقليمي.

وكما ورد في الكتاب، فهناك دروس مستفادة من الصراع الذي أنهي بفضل «صلح وستفاليا». ومن أهم الدروس المستفادة، وجود إجماع معياري يحتكم إليه كافة أطراف الصراع والتي شكلت نقطة ارتكاز لاتفاقية الصلح. إضافة إلى ذلك، هناك عوامل أخرى ساهمت في التوصل إلى اتفاق، وتتعلق بشمولية المشاركة وعدم الإقصاء لطرف أو آخر. بناء الثقة المتبادلة بين الأطراف، الوساطة النزيهة بين المشاركين، الضمانات الأمنية، وتحييد الخلافات.

المنطقة تعج بالخلافات، ولكنها مليئة بالفرص لتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية لكافة سكان الشرق الأوسط. ومع زخم السلام في المنطقة والتي خلقتها معاهدة واتفاقية السلام بين الإمارات والبحرين وإسرائيل، هناك فرصة حقيقية لعقد مفاوضات متعددة الأطراف لحل القضايا العالقة، ولاسيما قضية الشعب الفلسطيني وحقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.

وكما قال زهير بن أبي سلمى: وَمَا الْحَرْبُ إلّا مَا علمتمْ وَذُقتُم:: وَما هوَ عَنها بالْحَديثِ الْمُرَجَّمِ، إلى قوله: فَتَعْرُكُكُم عرْكَ الرَّحى بثِفالها:: وَتَلْقَحْ كِشافًا ثُمّ تُنْتَجْ فَتُتْئِمِ

* كاتب وأكاديمي

Email