الميليشيات وانهيار الدول

ت + ت - الحجم الطبيعي

إذا كانت الأرض والشعب والسلطة، هي العناصر الأساسية التي تكوّن الدولة، فإن احتكار القوة من قبل الدولة، عنصر أساسي من عناصر سيادتها وشرعيتها. فقوة الدولة هي القوة الشرعية الوحيدة المعترف بحقها في استخدامها لضرورات الأمن والسلامة والحفاظ على حق المواطن وسيادة الدولة، ولا تقوم الدولة إلا بوجود عمل مشترك بين السلطات الثلاث: التشريعية والقضائية والتنفيذية.

وأهم مؤسستين متعلقتين باحتكار القوة، هما مؤسسة الجيش والشرطة. وغالباً ما تكون المؤسسات الأخرى، في الدولة الطبيعية، تابعة لهاتين المؤسستين.

ماذا لو أن دولة من الدول قد فقدت الحق في احتكار القوة، وتكونت إلى جانبها قوة مسلحة، بموافقتها أو أنفاً عنها، تستخدم القوة كما تشاء، ويكون لديها حجم من أدوات القوة ما يفوق حجم أدوات القوة التي تملكها الدولة؟ الجواب المباشر على هذا السؤال هو: الدولة ستنهار بالضرورة.

إذا انتقلنا من هذا الكلام المجرد المتفق عليه، إلى الواقع الذي عليه بعض الدول العربية التي تعيش ما يسمى بازدواجية السلطة، فسنضع يدنا على الحقيقة الساطعة للنتيجة التي انتهينا إليها.

فهناك دول حالياً، وتعيش ظاهرة حضور الميليشيات المسلحة التي تعبث بالبلاد والعباد.

كان أول بلد عربي عبثت فيه الميليشيات هو لبنان، وبعد «الطائف» اتفق على أن تسلم الميليشيات الطائفية أسلحتها للدولة، والاكتفاء بالجيش والشرطة.

بعد «اتفاق الطائف» نشأت ميليشيا حزب الله التابعة لولاية الفقية بإيران. وشيئاً فشيئاً أكلت الدولة، وصارت هي السلطة المحتكرة، تقريباً، للقوة. ولم يبقَ للدولة إلا الأشكال الخارجية لها. وبانهيار الدولة انهار الاقتصاد وانهارت السياسة، كما انهارت الثقافة والقيم.

وفي العراق، كان البديل عن سلطة الدولة سلطة، عشرات الميليشيات المتصارعة. غير أن الملفت للنظر هو أن هناك كثيراً من الميليشيات التي مأسستها السلطة الحاكمة، ومنحتها الشرعية، ولأول مرة في التاريخ، تتخلى الدولة عن احتكار القوية وهي راضية بذلك. ولهذا، فبعد مرور سبعة عشر عاماً على احتلال العراق، لم تقم الدولة المحتكرة للقوة.

وفي اليمن، كان الصراع سابقاً بين سلطة الدولة وقوتها من جهة، وميليشيا القاعدة والحوثيين من جهة ثانية. واستطاعت سلطة الدولة، مهما كان رأينا بنظام حكمها، أن تحول دون قوة الميليشيتين. ولكن، وبعد ما جرى، تحول الحوثيون إلى ميليشيا حاكمة، وقضت على الدولة اليمنية، واحتكارها للسلطة.

والميليشيات الليبية الآن، دمرت الدولة تدميراً كاملاً.

وهناك مسألة يجب عدم كف النظر عنها أو إهمالها، ألا وهي مسألة الحدود. فمن شروط الدولة، أن تكون ذات سيادة على حدودها الجغرافية البرية والبحرية، وحتى حدود فضائها. ولا يحق لأحد أن يعتدي عليها أو يتجاوزها، وللدولة الحق في استخدام القوة لحمياتها ورد العدوان عليها.

أما في عصر الميليشيات أو السُلطات الميليشياوية، فإن الحدود تغدو مستباحة جداً جداً. فالميليشيات الإيرانية والعراقية والتابعة للسلطات تستبيح الحدود السورية العراقية، والميليشيات الليبية تستبيح الحدود البحرية، وميليشيا حزب الله تستبيح الحدود السورية اللبنانية والحدود البحرية والفضاء اللبناني. وميليشيا الحوثي تستبيح الحدود البحرية اليمنية وهكذا.

واللافت للنظر، أن جميع الميليشيات التي حطمت الدول، تستمد قوتها من دول خارجية: إيران وتركيا وقطر وأمريكا، ومن بقايا السلطات الحاكمة شكلياً.

الحقيقة التي يجب أن يعلمها الجميع، أنه لا ولن تقوم دولة في التاريخ مع وجود الميليشيا المسلحة. ولن أنسى أن أقول بأن تعريف الميليشيا هي قوة مسلحة خارجة عن القانون. وهذه تختلف جداً عن الكفاح الشعبي ضد الاستعمار والاحتلال، كما جرى في الجزائر وفيتنام وفلسطين. ويجب الانتباه إلى أنه مع الانتصار في الجزائر وفيتنام، قامت الدولة وتكوّن الجيش الوطني والشرطة والقضاء، أي صارت الدولة محتكرة للقوة. كما يجب أن لا ننسى بأن الميليشيا حين تحكم، تحكم بوصفها ميليشيا وليست دولة.

* كاتب فلسطيني

Email