خطوة تاريخية ذكية من دولة المبادرات

ت + ت - الحجم الطبيعي

في ظل الظروف العالمية غير المسبوقة راهناً، توارت القضية الفلسطينية إلى الخلف لصالح قضايا سياسية واقتصادية واستراتيجية وصحية تشغل بال البشرية والمجتمع الدولي.

وقد استغلت تل أبيب هذه الظروف لتمضي قدماً في مخططاتها لتهويد الأراضي الفلسطينية وزرع المزيد من المستوطنات فيها، وهو الأمر الذي إذا ما ترك دون تدخل لضاعت البقية الباقية من فلسطين إلى الأبد، ولما عاد لقضيتها العادلة ذكر.

ومن هنا كان تحرك دولة الإمارات العربية المتحدة الدبلوماسي ضرورياً للحفاظ على ما يمكن المحافظة عليه، ووسيلة للإبقاء على زخم المبادرة العربية للسلام الخاصة بإنهاء الصراع العربي ــ الإسرائيلي، وتمكين مشروع حل الدولتين المؤيد من قبل المجتمع الدولي.

أما لماذا الإمارات تحديداً، لأنها قوة اقتصادية وعسكرية بارزة في المنطقة، ودولة ذات مصداقية تتمتع بثقة عالية على الساحة الدولية، وطرف يلتزم بما يوقع عليه، ودولة تسعى إلى نشر الخير والأمن والاستقرار في العالم، ناهيك عن أن الإمارات كانت ــ

وما زالت ــ طوال تاريخها منذ تأسيسها على يد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في مقدمة داعمي القضية الفلسطينية وطموحات الشعب الفلسطيني فعلاً لا قولاً.

وتشهد على ذلك مواقفها الشجاعة في جميع المحافل الإقليمية والدولية ودعمها المادي اللامحدود لمنظمة التحرير الفلسطينية وللشعب الفلسطيني عموماً.

وبطبيعة الحال، فإن المعاهدة التاريخية التي وقعتها الإمارات وإسرائيل برعاية أمريكية في الثالث عشر من أغسطس 2020، لوقف ضم الأراضي الفلسطينية، لم يعجب الأطراف التي اعتادت الاسترزاق من وراء القضية الفلسطينية، وتمثيل أدوار البطولة دون أن تقدم فعلياً أي شيء سوى خطابات وشعارات أكل الدهر عليها وشرب ونام أو تسترجع شبراً من الأراضي السليبة، حيث ارتفعت عقيرة رموز الخيبة والفشل في إيران وتركيا وأتباعهما في المنطقة منددة بمعاهدة السلام ومسددة سهامها إلى دولة الإمارات التي قدمت على مدى العقود الماضية مختلف أشكال الدعم للقضية الفلسطينية، ولا يشك أحد في حرصها على حقوق الفلسطينيين.

نعم، أقدمت الإمارات على خطوة جريئة وشجاعة في زمن غاب فيه الشجعان، وكان عملها هذا في وضح النهار ولصالح وقف ضم الأراضي الفلسطينية وإنقاذ عملية السلام وفق حل الدولتين، وإخراج القضية الفلسطينية من الجمود والعقم، لا كما فعل الناعقون من أولئك الذين لهم تاريخ طويل في الاتصال بتل أبيب تحت جنح الظلام، خوفاً وخشية من افتضاح أمرهم.

ويكفي دليلاً الإشارة إلى فضيحة «كونترا غيت» بين إسرائيل والنظام الإيراني في الثمانينات، واحتضان طهران لحركة حماس المدعومة إسرائيلياً من أجل شق الصف الفلسطيني، والاتفاقيات السرية العسكرية والأمنية بين تل أبيب ونظام أردوغان ذي التوجهات الإخوانية الحاكم في أنقرة.

نعم، إنهم لا يستحون ولا يخجلون، لأن التعامل مع القضية الفلسطينية بالمنطق والعقل والمبادرات النوعية الجريئة، كما فعلت الإمارات، سوف يثمر عن كسر ما يحيط بالقضية من جمود وسيؤدي إلى فتح آفاق لحلها حلاً مشرفاً، وهذا تحديداً ما لا يريدونه لأنه سيقزمهم ويقضي على بطولاتهم الكرتونية ويفقدهم مصدراً من مصادر التلاعب بعقول السذج والدهماء.

* أستاذ العلاقات الدولية من البحرين

Email