الصراع على القمة وتأثيره على المنطقة

ت + ت - الحجم الطبيعي

تشهد العلاقات الصينية - الأمريكية توتراً غير مسبوق. في أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية الأمريكية، كان الرئيس دونالد ترامب يتوعد الصين إذا ما انتخب رئيساً. وحين فاز بالانتخابات، لم يتوقف عن مهاجمة الصين، وفرض تعريفات جمركية عليها، ما أدى إلى فرض الصين تعريفات مماثلة على الصادرات الأمريكية والتي أضرت بالمنتجين الزراعيين في الولايات المتحدة. وظلت العلاقة محل جذب وشد بين البلدين اللدودين.

ومنذ جائحة «كوفيد 19»، لم ينفك الرئيس ترامب يهاجم الصين ويحملها مسؤولية الوباء. وسمّاه «الفيروس الصيني». ورغم احتجاجات الداخل الأمريكي أن المصطلح يسيء للأشخاص من أصول آسيوية، بل قد يعرض البعض للخطر من أفراد قد يصبون جام غضبهم على أي شخص يشبه الصينيين، بغض النظر عن انتمائه، إلا أن ترامب ظل مصراً على نعت الفيروس بـ«الصيني». ولم يثنه الاحتجاج الرسمي من قبل بكين عن استخدام هذا اللفظ المريب ضد الصين.

وهناك خلاف آخر بين البلدين مرده الاحتجاجات في هونغ كونغ. فقد شهدت هذه الجزيرة احتجاجات شعبية تطالب بـ«مزيد من الحريات». وبطبيعة الحال، أيدت واشنطن هذه الاحتجاجات على أساس ما تعتبره «تضييق قبضة بكين» على هذه الجزيرة الذي يخالف تعهد الأخيرة عند استرجاع هونغ كونغ، بمبدأ «بلد واحد بنظامين». بينما ترى الصين هونغ كونغ أنها جزء لا يتجزأ من التراب الصيني.

وعلى ما يبدو أن المواجهات أخذت منحى عدوانياً بين البلدين. وكما جاء في خبر نشرته «بي بي سي»، فإن منطقة جنوب بحر الصين شهدت استعراضاً للقوة بين الولايات المتحدة ومعها الدول الغربية والصين. فبعد أن دكت سفينة صينية قارب صيد فيتنامياً في منطقة جزر باراسيل التي تعتبرها فيتنام مياهاً إقليمية، أرسلت الولايات المتحدة سفينة هجومية برمائية تتبعها فرقاطة أسترالية إلى منطقة قريبة. وزيادة في التصعيد فقد أرسلت واشنطن مدمرة صواريخ موجهة. وقامت هذه السفن بعملية حرية الملاحة لتحدي الصين في ادعائها حول الممرات المائية.

وقد أبحرت حاملة الطائرات البريطانية «الملكة البريطانية» في أول رحلة لها للمشاركة في التمارين العسكرية مع القطع البحرية الأمريكية واليابانية في منطقة الباسيفيك لمواجهة «التنمر المتزايد» (من وجهة نظر أمريكية وغربية) للصين. إضافة إلى ذلك نجحت واشنطن في إقناع بريطانيا في التخلي عن استخدام تكنولوجيا «هواوي» لاتصالات الجيل الخامس، بسبب ما تقول واشنطن إن الشركة لها ارتباطات بالحكومة الصينية والذي سيسهل للأخيرة التجسس على الدول الغربية.

وقد يظن البعض أن هذه المواجهات بين الولايات المتحدة والصين ما هي إلا تعبير عن سلوك غير منضبط للرئيس ترامب. ولا شك أن جزءاً منه صحيح، ولكن فكرة المواجهة مع الصين تعود إلى عهد الرئيس السابق باراك أوباما، والذي أعلن سياسة «التحوّل إلى آسيا» في العام 2011، وقد فسر العديد هذا التحوّل بأنه سياسة لاحتواء الصين في منطقة آسيا والباسيفيك.

فالقضية بين الصين والولايات المتحدة هي مسألة بنيوية، وليست مجرد سياسات عابرة لإدارة تتخبط. فالصين قوة صاعدة، وقد تجاوزت الولايات المتحدة في مؤشرات عدة للقوة. وتاريخياً فإن القوة المتراجعة تقاوم الصاعدة ما قد يؤدي إلى حرب.

وقد أوضحت دراسة لجامعة «هارفارد» أن اثني عشرة حالة من ست عشرة حالة منافسة بين القوى العظمى، أدت إلى حرب، ما يرجح حالة المواجهة بين الدولتين. وقد نشر جراهام أليسون كتاباً أسماه «مصيرهما إلى الحرب» وعن احتمالية تفادي المواجهة العسكرية بين قطبي العالم.

ولا شك بأن هذا التنافس الحاد بين الدولتين ستكون آثاره كبيرة على الشرق الأوسط. وتحاول الصين عقد تحالفات استراتيجية في المنطقة. وسيكون التواجد الصيني في منطقة حساسة من العالم مصدر قلق كبيراً لصنّاع القرار في العواصم الغربية.

وستشهد بكل تأكيد المنطقة استقطابات حادة بين دول المنطقة، كما حصل إبان الحرب الباردة. وعلى دول المنطقة أن تستعد باستراتيجيات واضحة لتعزيز مكانتها في هذا الصراع المرتقب، وأن لا تكون ضحية لهذا النزاع الذي سيشكل المشهد السياسي في القرن الحادي والعشرين. وقديماً قيل:

أصالَةُ الرَّأيِ صانَتْني عنِ الخَطَلِ

وحِليةُ الفَضْلِ زانَتْني لَدَى العَطَلِ

* كاتب وأكاديمي

Email