مسبارُ الأمل الجذر والثمرة والأُفق

ت + ت - الحجم الطبيعي

كان المؤسس الباني المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيّان، طيب الله ثراه، هو أول من فكّر في ضرورة الإسهام الفاعل في رحلات الفضاء لتحقيق الغايات العلمية بما يعود بالنفع العام على الإنسانية جمعاء، ويُعيد للوجه العربي الإسلامي نُضرةَ الحياة بعد غياب غير مبرّرٍ عن ساحة العلم والإبداع بما لا يليق إطلاقاً بأبناء حضارة حملت مشعل الهداية والنور والعلم إلى البشرية ثمانية قرون متواصلة، كان فيها العالم تلميذاً لهؤلاء الأساتذة الذين صهرهم الإسلام من شتى الشعوب والثقافات، وأوجد منهم هذه الأمّة العظيمة التي تستحق كل خير وتقدير واحترام.

فقبل 46 عاماً، وتحديداً في 30/‏12/‏ 1974، كتب الشيخ زايد، رحمه الله، الكلمة التالية: «إنّ رحلات الفضاء يفخر بها كلّ إنسان على وجه الأرض لأنها تُجسّد الإيمانَ بالله وقدرته، ونحن نشعر كعربٍ بأنّ لنا دوراً عظيماً في هذا المشروع وفي هذه الأبحاث».

لتكون هذه الكلمة مثل حُزمة النور التي أضاءت والتمعت من بعيد لتقول: لا تُضيّعوا الوصية، ولا تُقصروا في تحقيق الحلم، فلم يُخيّب عيال زايد الظن، وكل من يسعى في مجد الوطن ورفعته فهو من عيال زايد، لكنّ العبء الأكبر قد وقع على كاهل رجل عظيم الوفاء للشيخ زايد هو صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، الذي ظلت هذه الأمنية تسكن في أعماق قلبه، وأنشأ من أجل تحقيقها مركز محمد بن راشد للفضاء، ووضع كل إمكانيات الدولة في سبيل الوصول إلى هذا الحلم القديم للشيخ المؤسس، وفي 25/‏ 9/‏ 2019 كتب، رعاه الله، كلمة بمناسبة وصول رائد الفضاء الإماراتي هزاع المنصوري إلى محطة الفضاء الدولية، حيث قال: «قبل أكثر من عامين أطلقتُ أنا وأخي محمد بن زايد برنامج الإمارات لرواد الفضاء.

واليوم نحتفل بإطلاق أول رائد في مهمة تاريخية إلى محطة الفضاء الدولية، إنجاز إماراتي نفخر به ونهديه للأمتين العربية والإسلامية».

في هذا السياق الرائع الثمين من الآمال القديمة والتحديات المعاصرة، تستعد دولة الإمارات العربية المتحدة لإطلاق «مسبار الأمل» كأول مسبار عربي إسلامي للوصول إلى المريخ في إسهامٍ فريد هو الأول من نوعه للعرب في هذا القرن الذي تتسابق فيه العقول الإنسانية إلى تحقيق الكثير من الإنجازات العلمية التي تعود بالخير والنفع على الإنسان، ويكاد البدن يقشعرّ حين يرى الإنسان هذه الهمة العالية لهذه الدولة الفتيّة السباقة إلى المنجزات التي ترفع الرأس، وتُعيد للإنسان العربي المسلم إحساسه بالذات الحضارية المفقودة منذ أمدٍ ليس بالقصير، فالحمد لله على هذا الإنجاز العلمي العظيم الذي يستحق منا كل تقدير وتنويه، ونشعر معه بالفخر والتصميم على مواصلة السير في طريق العلم والمعرفة كخيار لا مفرّ منه في درب الحياة الطويل.

وعلى المستوى التقني فإنّ «مسبار الأمل» هو التجسيد العلمي العملي لمشروع الدولة في تحقيق إنجازات غير مسبوقة في استكشاف الفضاء واتخاذ مدار مميز وجديد حول المريخ لم يسبق لأي مركبة فضائية أن دخلت فيه لإجراء دراسات على الغلاف الجوي للمريخ من أقرب نقطة لهذا الكوكب الأحمر يبلغ ارتفاعها 20 ألف كيلومتر، حيث سيكون المسبار قادراً على الدوران حول الكوكب خلال 55 ساعة لإنجاز مهامه الجديدة التي ستكون ذات فائدة مؤكدة للبحوث العلمية في شؤون الفضاء، وذلك من خلال مجموعة متساندة من الأجهزة العلمية الجديدة التي ستتكفل بتحقيق المهمة العلمية الجسيمة التي ستكون إنجازاً خالداً في سجلّ الشرف العلمي لدولة الإمارات العربية المتحدة.

وبهذا الإنجاز تدخل هذه الدولة العربية مجال السباق في علوم الفضاء على نحوٍ فاعل للاصطفاف في نادي علوم الفضاء مع الدول الكبرى، حيث من المنتظر أن يصل المسبار إلى المريخ بحلول العام 2021 تزامناً مع الذكرى الـ 50 لتأسيس اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة، وذلك احتراماً وإحياءً لذكرى ذلك المؤسس الكبير الشيخ زايد الذي وضع الأساس القوي المتين لهذه الدولة التي تتقدم نحو تحقيق الأهداف والغايات على وتيرة متوازنة متصاعدة ضمن الإمكانيات والمهارات والعقول الوطنية، حيث تُشرف وكالة الإمارات للفضاء على المشروع، وتقوم بتمويله بشكل كامل في حين يتولى مركز محمد بن راشد للفضاء مسؤولية تطوير المسبار بالتعاون مع شركاء دوليين، ويقوم مهندسو الإمارات على تنفيذ كافة الإجراءات ضمن التعاون العلمي المفيد مع هؤلاء الشركاء.

وبخصوص أهداف هذه المهمة الفضائية بشكل خاص، فإنّ دولة الإمارات العربية المتحدة تطمح إلى تطوير خبرة أبنائها وعلمائها بالمعرفة الفضائية وتطوير أبحاث علمية تعود بالنفع على الوطن والبشرية جمعاء، وبناء موارد بشرية جديدة تُسهم في دفع عجلة الاقتصاد وارتياد آفاق جديدة تنمّي خبرة الإنسان الإماراتي وتزيد من حجم مشاركته في البرامج الدولية، وتحقق له التنوع في مصادر المعرفة والدخل، وتعزز ثقته بنفسه في مجال الإبداع والريادة والابتكار، فضلاً عن تعزيز جهود الإمارات في الشراكة الفعلية مع الدول الكبرى في مجال الاكتشافات العلمية لتعزيز المكانة الحضارية لهذا الوطن الطيب المعطاء.

وفي الأيام القادمة بعون الله تعالى، ومن مركز تانيغاشيما للفضاء ومن على منصة ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة سيتم إطلاق المسبار الذي يجسد ثقافة الأمل والتصميم على تحقيق الذات بعد 6 سنوات من العمل الجاد، ليتهلّل وجه الوطن فرحاً، ويبتسم صاحب الناموس صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، راعي المشروع ومنفذ الحلم، ولتنعم روح الشيخ زايد، برحمة الله ورضوانه، وينال من الله الجزاء الأوفر بما حققه، ويحقّقه أبناؤه البررة من إنجازات.

Email