المضلِّلون والمضلَّلون

ت + ت - الحجم الطبيعي

بتوقيع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الأسبوع الماضي، أمراً تنفيذياً يستهدف شركات وسائل التواصل الاجتماعي، بعد أيام من وصف «تويتر» اثنتين من تغريداته بأنهما مضللتان، تكون المعركة بين وسائل التواصل الاجتماعي والرئيس الأمريكي قد اتخذت مساراً يتجاوز التصريحات، وانتقلت من العالم الافتراضي إلى أرض الواقع.

ترامب قال إن الخطوة تأتي «للدفاع عن حرية التعبير من قبل واحد من أشد الأخطار التي تمت مواجهتها في التاريخ الأمريكي».

وأضاف: «إن حفنة صغيرة من احتكارات وسائل التواصل الاجتماعي تسيطر على جزء كبير من جميع الاتصالات العامة والخاصة في الولايات المتحدة. لقد كانت لديهم سلطة غير مقيدة لرقابة وتقييد وتحرير وتشكيل وإخفاء وتغيير أي شكل من أشكال التواصل بين المواطنين العاديين والجمهور العام الكبير».

أيّاً كانت النتائج التي ستسفر عنها المعركة بين الرئيس الأمريكي ووسائل التواصل الاجتماعي، فإنها تكشف عن رأس جبل الجليد الذي يختفي تحت المياه العميقة لهذه الوسائل والذين يسيطرون عليها ويديرونها بشكل يبدو لنا في ظاهره بريئاً ومحايداً، وفي باطنه تكمن أسرار ربما تخفى على أكبر صناع القرارات في العالم، والذين من بينهم مسؤولون ورؤساء دول بحجم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إذا ما افترضنا أن ترامب قد اكتشف متأخراً أن «حفنة صغيرة من احتكارات وسائل التواصل الاجتماعي تسيطر على جزء كبير من جميع الاتصالات العامة والخاصة في الولايات المتحدة».

وأن هذه «الحفنة الصغيرة» لديها «سلطة غير مقيدة لرقابة وتقييد وتحرير وتشكيل وإخفاء وتغيير أي شكل من أشكال التواصل بين المواطنين العاديين والجمهور العام الكبير»، وفي الإعادة إفادة لمن لم تلفت هذه العبارات نظره إلى سلطة وسيطرة هذه الوسائل على عقول البشر وتوجهاتهم.

من جهته قال الرئيس التنفيذي لـ«تويتر» جاك دورسي، إن التحقق من صحة تغريدتين نشرهما الرئيس دونالد ترامب، لا يجعل من شركة وسائل التواصل الاجتماعي «حكم حقائق».

وأضاف إن هدف تويتر هو ربط النقاط ما بين التصريحات المتضاربة، وإظهار المعلومات المتنازع عليها، حتى يتمكن الناس من إصدار الأحكام بأنفسهم، مؤكداً أن «الشفافية مهمة جداً بالنسبة لنا حتى يتمكن الأشخاص من معرفة السبب وراء أفعالنا بوضوح».

موقف الرئيس التنفيذي لتويتر يختلف تماماً عن موقف مؤسس منصة أخرى تعد من أهم منصات التواصل الاجتماعي، وهي منصة «فيسبوك» الشهيرة، التي قال مؤسسها ورئيسها التنفيذي مارك زوكربيرغ إن شركته لديها سياسة مختلفة عن تويتر، مؤكداً أنه يؤمن بشدة أن«فيسبوك» يجب ألّا يكون حكم حقائق لكل ما يقوله الناس على الإنترنت.

جاء هذا في معرض إفصاحه عن أسباب عدم اتخاذ منصته إجراءات بشأن منشورات ترامب حول عمليات الاقتراع عبر البريد، وهي التغريدات التي قام «تويتر» بتنبيه المستخدمين عبر رابط يظهر تحتها يحثهم على الحصول على «الحقائق المتعلقة ببطاقات الاقتراع البريدية»، عادّاً أن التغريدات كانت تحتوي على «معلومات مضللة حول عمليات التصويت»، وقد تم «تصنيفها لتوفير سياق إضافي» وفق تعبير القائمين على «تويتر».

دخول مؤسس ورئيس منصة «فيسبوك» التنفيذي على الخط أثار من جديد الجدل حول قرار «فيسبوك» اختيار اليمنية ذات الميول الإخوانية والمواقف المتطرفة توكل كرمان عضواً في مجلس الإشراف على المحتوى في المنصة.

ووفقاً لتدوينة نشرتها كرمان على صفحتها في «فيسبوك»، فإن المجلس سيتخذ «قرارات نهائية ومُلزِمة حول ما إذا يجب السماح بمحتوى معيّن أو إزالته من «فيسبوك» و«إنستغرام»، وسيراجع ما إذا كان المحتوى يتوافق مع معايير وقيم مجتمع «فيسبوك» و«إنستغرام». هذا إضافة إلى تأييد دعم حرية التعبير في إطار المعايير الدولية لحقوق الإنسان».

وقالت: «سنتخذ قرارات بناءً على هذه المبادئ والأثر في المستخدمين والمجتمع، بغض النظر عن المصالح الاقتصادية أو السياسية لشركة «فيسبوك» أو سُمعتها. وينبغي أن تُنفذ «فيسبوك» قراراتنا ما لم ينتهك ذلك القانون».

هذه الصلاحيات التي يتمتع بها مجلس الإشراف على محتوى عملاق مواقع التواصل الاجتماعي يجعل من اختيار توكل كرمان المعروفة بمواقفها المنحازة إلى بعض الجماعات المتطرفة والدول الراعية لها، مثار استغراب وتساؤل عن الهدف من هذا الاختيار.

ولذلك أطلق عدد من رواد الموقع عريضة احتجاج تعبيراً عن استنكارهم ورفضهم اختيار إدارة الموقع توكل كرمان ضمن مجلس الإشراف على المحتوى، مؤكدين أن كرمان «ذات التوجّه الإخواني» لا تمثل الشارع اليمني ولا العربي، وناشدوا «فيسبوك» الالتفات إلى آراء مئات الآلاف من الموقّعين على العريضة، الذين يرفضون رفضاً قاطعاً اختيار من يتسبب في محنة لأوطانهم كي يراقب ويفصل في محتوى ما يكتبونه.

المضلِّلون والمضلَّلون في وسائل التواصل الاجتماعي لا يتساوون في ميزان العدالة، وإن كان هذا الميزان مختلاً على أي حال.

 

 

Email