حظيت «تغريدة» صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، حول وباء «كورونا» بتفاعل كبير، والذي ذكر «إن السياسة والاقتصاد يتقزمان أمام فيروس يجعل دهاة العالم في حيرة وخوف وتيه.»

وفعلاً نرى اليوم كيف أن هذا الفيروس عطل الأعمال سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو إدارية، بل وضع العالم قيد الانتظار.

وفي واقع الأمر فإن قضية الأوبئة قصة قديمة عانت منها البشرية، وغيرت مسار التاريخ لأقاليم في بقاع العالم.

وفي مؤلف كلاسيكي يتحدث جارد دايموند في كتاب ترجم إلى العربية بعنوان «أسلحة، جراثيم وفولاذ» عن دور كبير، لعبه انتشار الجراثيم في تطوير العالم كما نعرفه الآن، فعلى سبيل المثال فإن الغزاة الأوروبيين جلبوا إلى العالم الجديد أمراضاً معدية كالحصبة والجدري والملاريا، والتي أهلكت السكان الأصليين بنسبة 95 % لعدم تمتعهم بالمناعة ضد هذه الأمراض الموروثة عند الأوروبيين.

والسؤال الذي يطرحه كثير من الخبراء والاستراتيجيين هو كيف سيكون العالم بعد هذه الجائحة التي لم يسبق لها مثيل في الأجيال الحالية؛ ولعلها أسوأ كارثة تواجه العالم منذ الحرب العالمية الثانية، وقد عبر عنها المثقف المصري الكبير د. شاكر عبد الحميد بمصطلح «ما بعد الكورونيالية» Post-Coronialism وما ستتمخض عنه، كما ورد في مقالة للدكتور عمار علي حسن.

ورغم ظرف وذكاء المصطلح لتماهيه مع مصطلح ما بعد الكولونيالية، إلا أن السؤال هل نفترض أن التحويلات التي ستحدثها «كورونا» ستكون مشابهة للتحولات التي أحدثتها الحقبة الاستعمارية وما استلزمتها من تحول بنيوي في العالم؟

في مقالة لهنري كيسنغر، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، يقول إن واقع العالم لن يعود كما كان بعد وباء «كورونا»، ولكن كيسنغر لم يفصح كثيراً عن لماذا لن يعود العالم إلى ما قبل «كورونا»، بل قدم مقترحات لحماية النظام العالمي من مستجدات الوباء.

وحذرت الولايات المتحدة من أن الصين تستغل الوضع الصحي العالمي، لتعزيز نفوذها في بحر الصين الجنوبي. وقد أدلت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية بتصريح قالت فيه: «نحضّ جمهورية الصين الشعبية على التركيز على دعم الجهود الدولية لمكافحة الوباء العالمي، والتوقف عن استغلال انشغال الدول الأخرى أو ضعفها لتوسيع نطاق مطالباتها في بحر الصين الجنوبي».

وقد بادر الاستراتيجيون العسكريون إلى طلب مخصصات مالية من الكونغرس الأمريكي لمواجهة النفوذ الصيني المتزايد في عالم ما بعد «كورونا».

وتقدم البنتاغون بطلب 20 مليار دولار لتعزيز الوجود الأمريكي في منطقة الباسيفيك، وسيستخدم هذا المبلغ لشراء رادارات إنذار مبكر وصواريخ كروز والتدريب مع الحلفاء ومشاركة المعلومات الاستخباراتية، ويؤكد الخطة على ضرورة تعزيز قوة الردع للولايات المتحدة ضد الجيش الصيني.

والواضح أن هناك توجهات عدة للاستعداد لمرحلة ما بعد «الكورونا»، ولكن من غير الواضح ماذا استجد في المشهد الاستراتيجي العالمي وكيف لعب هذا الوباء دوراً في تغير التوجهات؟ خاصة أن العلاقة بين الصين والولايات المتحدة شهدت توتراً قبل اندلاع الوباء، وأن الرئيس ترامب يرى في بكين العدو اللدود، بل إن بعض المحللين الاستراتيجيين يرون في حتمية الحرب بين القوتين العظميين.

على ما يبدو أن الجميع يتوقع شيئاً ما ولا يستطيع تحديد ذاك الشيء، لأن الموضوع ملتبس كالمرض نفسه. والثاني أننا نفتقد لكثير من المعطيات ولا ندري مدى التأثير البنيوي لهذا المرض، بمعنى آخر، كيف أن هذا المرض سيؤثر على البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية؟

فعلى سبيل المثال يتحدث الدكتور مارك فان ريجمينام عن صعود الرقمية، وأن الرقمية سيكون لها سيطرة على أحوال الناس. وسيعزز الوباء الحالي من هذا التصاعد الرقمي، والذي سيقلص من المبادئ الليبرالية الحاكمة في الغرب، كما أن الأنظمة الدكتاتورية ستستغل الوباء لتعزيز سلطتها الرقمية على الأشخاص والجماعات مستخدمة مكافحة الوباء غطاء لتبرير مراقبة الأشخاص.

لا شك في أن هذا الكلام فيه جانب كبير من الصحة. ولكن يجب عدم المبالغة في تداعيات هذا المرض. تأثير المرض سيكون على الأرجح ظرفياً وليس في البنية الرئيسة للمجتمعات والدول لسبب واحد. ما نمتلك من معطيات حول التجارب السابقة للأوبئة في عصرنا الحالي لم تتجاوز تأثيراتها في حدود بعض الخسائر البشرية والاقتصادية ولكنها لم تحدث تحولات ضخمة.

صحيح أن هذه الجائحة لا مثيل لها، ولكن البنى التي تطورت خلال قرون لا يمكن تفكيكها، بسبب جائحة مهما تعاظمت، فلكل شيء آفة من جنسه حتى الحديد سطا عليه المبرد!