«كورونا» وتغيير موازين القوى

ت + ت - الحجم الطبيعي

مع استمرار انتشار فيروس «كورونا» المستجد (كوفيد 19)، الذي يصفه خبراء بأنه وباء القرن الحادي والعشرين، لا يزال السؤال الأمل مطروحاً: وماذا بعد؟ الكثيرون لديهم أمل في نهايته سريعاً للعودة إلى الحياة الطبيعية، لكن أهل الاختصاص من السياسيين والعسكريين والمفكرين يتعاملون مع السؤال بشكل مختلف؛ لأن النهاية تعني بداية لتشكّل عالم آخر مختلف عما نعيشه الآن.

السؤال طرحته مؤخراً مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية المشهورة على نخبة من السياسيين والعسكريين السابقين ورؤساء مراكز بحثية متخصصة في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا. والإجابة مخيفة.. فالفيروس هو أكبر أزمة على مستوى العالم في هذا القرن، ويهدد نحو 8 مليارات شخص هم سكان العالم وتداعياته الاقتصادية والمالية قد تفوق الأزمة المالية في عام 2008. ويبدو الاتحاد الأوروبي هو الأكثر تضرراً في النظام العالمي وغير قادر على حماية سكانه البالغ عددهم حوالي 500 مليون نسمة.

وحتى ندرك أهمية الإجابات ودلالتها، علينا أن نعرف أن من شارك في الإجابة هم نخبة من مسؤولين وعسكريين أمريكيين ودوليين سابقين، وهم جون ألين الجنرال الأمريكي ومدير معهد بروكنجز، والدبلوماسي الأمريكي السابق نيكولاس بيرنز، والدبلوماسي الأمريكي السابق ريتشارد هاس، والدكتور جون ايكنبري أستاذ العلوم السياسية في جامعة برينستون، وروبين نيبليت مدير معهد تشاتام هاوس الملكي البريطاني.

الإجابات تلخصت في التالي: فشل الولايات المتحدة والغرب في قيادة العالم، وتحول الدفة إلى الصين ودول جنوب شرق آسيا، النظام العالمي وتوازن القوى سيتغيران بشكل كبير، انتهاء نظام العولمة الاقتصادية والاعتماد المتبادل والبحث عن سلاسل توريد محلية، نسف القواعد الحالية لعمليات التصنيع والإنتاج العالمية.

فشل المؤسسات الدولية في القيام بدورها الذي كان متوقعاً في التنسيق والتحذير للحد من الأزمة، توقع تفكك الاتحاد الأوروبي بعد فشله في مواجهه الأزمة على مستوى أعضائه، مزيد من الانكفاء على الداخل وتراجع القضايا الدولية ذات الاهتمام المشترك، تعزيز مفهوم الحكومة المركزية وتعزيز قبضة الحكومات دون معارضة، قوة الروح الإنسانية ونجاحها في مواجهة الخطر خلال الأزمة، المنتصر في الحرب ضد «كورونا» هو الذي سيكتب التاريخ ويحدد المستقبل بشكل كبير، سيكون العالم أقل انفتاحاً، أقل حرية، أكثر فقراً.

الأكثر تشاؤماً هو جون ألين الجنرال الأمريكي ومدير معهد بروكنجز، فهو يرى أن الأزمة ستعيد تشكيل هيكل القوى العالمي بطرق يصعب تخيّلها، فسوف يستمر الفيروس في الضغط على الناطحات الاقتصادية وزيادة التوتر بين الدول. وعلى المدى الطويل سيخفض الوباء القدرة الإنتاجية للاقتصاد العالمي.

وخطر العزلة سيكون عظيماً خاصة على الدول النامية والتي لديها جزء كبير من العمالة غير المحصنة اقتصادياً، وسيتعرض النظام العالمي لضغط كبير ينجم عنه عدم الاستقرار ونشوب الخلافات بين الدول بل وداخلها.

في حين يعتبر الدبلوماسي الأمريكي السابق نيكولاس بيرنز أن الأزمة الحالية تفوق الأزمة المالية عام 2008 ويمكنها تغيير نظام القوى كما نعرفه الآن. والجزء الأهم هوالاتحاد الأوروبي في حالة عدم قدرته على حماية مواطنيه، فإن الحكومات الوطنية ستسترد المزيد من القوة من بروكسل.

العالم ربما ينكفئ على ذاته كما يتوقع ريتشارد هاس الدبلوماسي الأمريكي السابق ولعدة سنوات بعد «كورونا» والبحث عن الاكتفاء الذاتي ومعارضة الهجرة بأعداد كبيرة، وعدم الرغبة في مناقشة القضايا الخارجية بما فيها التغيير المناخي، وتعطيل تخصيص الموارد للتعافي من الأزمة، وستجد العديد من الدول صعوبة في التعافي مع ضعف الدولة. وستكون الدول الفاشلة نفسها أكثر ضعفاً وانكماشاً. ويتوقع هاس أن تؤدي الأزمة إلى مزيد من الأضرار في العلاقات الأمريكية الصينية وتراجع مفهوم العولمة.

فهل يكون «كورونا» هو القشة التي قصمت ظهر العولمة؟

الإجابة يؤكدها روبين نيبليت مدير معهد تشاتام هاوس البريطاني، فصعود الصين الاقتصادي والعسكري حفّز الولايات المتحدة الأمريكية لفصل نفسها عن بكين، ودفعها إلى حشد التكنولوجيا وحقوق الملكية الفكرية لفك نفسها عن التنين الأصفر. فالانعزال سيكون هو الصفة الأكبر للحكومات لتقوية قدرتها على المواجهة لفترات طويلة.

إذن الألم والوجع ليس فقط من تأثير فيروس «كورونا» الآن، بل من تداعياته الأكثر إيلاماً في المستقبل القريب.

* مدير تحرير «اليوم السابع»- مصر

 

Email