الأفغان أمام مصير مجهول بعد الانسحاب الأمريكي

ت + ت - الحجم الطبيعي

كما توقعنا في مقال سابق رفض رئيس السلطة التنفيذية في أفغانستان عبدالله عبدالله النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات الرئاسية التي جرت في سبتمبر 2019 في هذا البلد المنهك من الحروب.

كما رفض النتائج المعلنة في فبراير 2020 بعد إعادة الفرز واستبعاد نحو 2.7 مليون صوت بناء على طلبه.

فقد خرج معلناً تشكيكه في النتائج النهائية المعدلة التي منحته نسبة 39.52% من إجمالي الأصوات مقابل 50.64% لغريمه رئيس الجمهورية أشرف غني، بل زاد عبدالله بقوله إنه لا يعترف بالنتائج وسيسعى إلى تشكيل حكومة موازية لإدارة البلاد.

ومعنى هذا أن أفغانستان ستكون برأسين لو نفذ عبدالله تهديده، وخصوصاً أن الأخير مهووس بالسلطة ولا يمانع من ركوب الصعاب من أجلها بأي ثمن بدليل ترشحه لرئاسة البلاد من دون نجاح أكثر من مرة، وقيامه بالطعن في نتائج الانتخابات الرئاسية في كل مرة، فقط لأنه لم يفز في أي منها.

تأتي هذه التطورات في وقت بالغ الحساسية في المشهد الأفغاني، بسبب توقيع الإدارة الأمريكية صفقة مع زعماء طالبان لتسريع عملية انسحاب القوات الأمريكية والأطلسية من أفغانستان، وهو ما كانت تنتظره حركة طالبان كي تكون لها اليد العليا في تحديد مصير البلاد والعباد.

فإدارة الرئيس ترامب تبدو في عجلة من أمرها لإعادة القوات الأمريكية (نحو 13 ألف فرد) إلى بلادها من حرب خارجية لا تحظى بشعبية في الداخل الأمريكي، وخصوصاً أنها لم تنجز أهدافها كما ينبغي وخسرت الكثير، وذلك كي يدعي ترامب النصر أمام الناخب الأمريكي قبل موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة في نوفمبر من العام الجاري ولا يهم بعد ذلك لو انزلقت أفغانستان نحو المزيد من العنف والفوضى، أو تحكمت طالبان في رقاب الأفغان مجدداً.

وإذا كانت واشنطن تأمل أن تؤدي صفقتها المذكورة مع طالبان، والتي تمّ التمهيد لها بهدنة تاريخية قصيرة في الثلث الأخير من فبراير، إلى نجاح مفاوضات أفغانية ــ أفغانية لإسدال الستار على أعمال العنف التي لم تتوقف منذ انهيار إمارة طالبان عام 2001 على وقع الضربات الجوية والصاروخية الأمريكية، فإنها مخطئة لسبب بسيط هو أن ما يجمع حكومة كابول وطالبان قليل جداً مقارنة بما يفرقهما نتيجة للبون الشاسع بين أيديولوجيتهما وأهدافهما النهائية، وبالتالي فإن المفاوضات المقررة بينهما بحسب خطة السلام الأمريكية ستكون معقدة وستدور في حلقة مفرغة.

خذ مثلاً ما صرح به أحد قادة طالبان مع بدء الهدنة حينما قال إن تلك الهدنة لا تشمل المناطق الريفية خارج المدن والحواضر الكبرى بحجة أن «لنا فيها مؤسسات ومدارس دينية وأتباعاً ملتزمين فكر الحركة»، ولكن دعكم من هذا وتأملوا الهجمات التي نفذتها طالبان بعد يومين فقط من اتفاق السلام، ما يعني استحالة الوثوق بهكذا جماعة.

صحيح أن الشعب الأفغاني تواق بغالبيته العظمى إلى السلام والانفتاح على العالم وممارسة حياته الطبيعية بعيداً عن العنف كسائر شعوب الدنيا، ولكن متى كان لهذا الشعب رأي في تحديد مصيره؟

ثم ما الضمانات التي تلقتها واشنطن حول التزام الطالبانيين السلام؟ دعك من مسألة احترامهم حقوق الإنسان الأفغاني إذا ما قدر لهم المشاركة في السلطة بعد رحيل الجيوش الأجنبية التي كانت تقف ــ بصورة نسبية ــ حائلاً دون تغولهم وخصوصاً أن حكومة كابول سواء في عهد الرئيس السابق حامد كرزاي أو في عهد الرئيس الحالي أشرف غني أثبتت عجزاً تاماً لجهة إدارة البلاد بكفاءة وتوفير الأمن والطمأنينة لمواطنيها.

وبالعودة إلى طبيب العيون الدكتور عبدالله عبدالله نجده يزعم أن الحل السحري بيده وأنه وحده القادر على إعادة السلام إلى بلاده إذا ما أمسك بالسلطة في كابول، من دون أن يفصح عما يعوّل عليه.

فهل يعول الرجل مثلاً على علاقته الجيدة بطهران التي ما انفكت تتدخل في أوضاع أفغانستان عبر دعم الطالبانيين والجماعات الإرهابية الأخرى، وتوفير الملاذ الآمن لرموزهم وقادتهم نكاية بالولايات المتحدة، أم أنه يعوّل على تحالفات جهوية وقبلية جديدة لم تجرب من قبل؟

علماً بأنه ليس صاحب وزن قبلي مؤثر كونه بشتونياً فقط من جهة الأب بينما أمه طاجيكية. والمعروف أن الزعماء البشتون وحدهم كانوا على مر تاريخ أفغانستان أصحاب الكلمة الفصل في مصير هذه البلاد الفاقدة للبوصلة منذ انهيار نظامها الملكي.

* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي من البحرين

 

Email