رسائل 18 و19 يناير

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد أيام، تمر الذكرى الثالثة والأربعون للتظاهرات الشعبية التي خرجت يومي 18 و19 يناير 1977 تجتاح المدن المصرية من أسوان إلى الإسكندرية، احتجاجاً على رفع الأسعار.

كان الرئيس أنور السادات قد أعلن قبل ذلك التاريخ بنحو ثمانية أشهر، عودة التعددية الحزبية للنظام السياسي، بالسماح لنشاط ثلاثة أحزاب فقط، واحد لليمين هو حزب الأحرار، وآخر للوسط هو حزب مصر الذي تحول فيما بعد إلى الحزب الوطني برئاسته، وثالث لليسار هو حزب التجمع، وكان الحزبان الأول والثالث يرأسهما اثنان من تنظيم الضباط الأحرار، هما مصطفى كامل مراد وخالد محيي الدين.

قبل ذلك، حين تولى الرئيس السادات السلطة، وحسم الصراع مع الجناح المتصارع معه في 15 مايو 1971، دخل في مفاوضات مع قادة جماعة الإخوان، ممن كانوا في السجون، منذ تكشفت قضية تنظيم سيد قطب المسلح، وانتهى معهم إلى اتفاق، يقوم على أن يفرج عنهم وعن أعضائهم، وأن يسمح لهم بالنشاط الدعوي السلمي بشكل عرفي لا قانوني، داخل الجامعات وخارجها، وأن تعود للصدور مجلاتهم المحظورة، في مقابل تعهدهم بعدم معارضة الدولة أو رفع السلاح في وجهها.

لكن الطرفين السادات وجماعة الإخوان، لم يلتزما ببنود الاتفاق. عادت مجلتا المختار الإسلامي والدعوة الناطقتان باسم الجماعة للصدور، وهما تحفلان بكم هائل من الدعوة لممارسة العنف والتحريض على الفتن الطائفية، وتكفير كل من يخالفهم في الرأي داخل السلطة أو خارجها.

وسمح لأعضائها بالتوسع في العمل في الجامعات، فراحوا يبثون الذعر ويمنعون الأنشطة الطلابية بالسنج والجنازير، ويمزقون صحف الحائط الطلابية، وسط صمت حكومي تذرع بتصديهم لمعارضي السادات من مراكز القوى والحركة الطلابية الناصرية والقومية.

مساء يوم 17 يناير أعلنت الحكومة رفع أسعار السلع، صباح اليوم التالي خرجت تظاهرات سلمية متجهة لمجلس الشعب لمطالبة النواب برفض الزيادة، وبقيت التظاهرات سلمية حتى صباح يوم 19 يناير حين بدأت جحافل من منتسبي التيارات الدينية يحطمون في الممتلكات العامة والخاصة، وينهبون المحال التجارية، ولم تتوقف أعمالهم إلا بعد نزول الجيش إلى الشوارع ليحمي المتظاهرين ومؤسسات الدولة وممتلكات المواطنين، بعد أن كان قد رفض أن تطلق رصاصة واحدة لضبط الأوضاع.

ولم يكن قتلة وزير الأوقاف الدكتور الذهبي ومن بعده الرئيس السادات، من تنظيم خرج من عباءتهم، سوى برهان على تاريخ ملطخ بالدماء والدمار، أن الجماعة لا تؤتمن على أي عهد أو ميثاق.

بعد نحو ثلاثين عاماً على أحداث يناير، قال الرئيس مبارك في خطاب له في إشارة إليها، احنا أخذنا إجراءات اقتصادية أقسى منها، ومرت ولم يحث شيء. ولعله في 25 يناير 2011 قد أدرك خطأ تقديره، حين أعلن، بمسؤولية ابن للمؤسسة العسكرية، تنحيه عن السلطة، منعاً لصراع دموي، كان الإخوان في القلب منه للسطو عليها!

كثيرة هي الرسائل التي يبعث بها تذكر تلك الوقائع، سواء في مصر أم في أقطار العالم العربي. ويحتاج النظام العربي وهو يخطو نحو العقد الثالث من الألفية الثالثة، إلى بداية جادة تنطوي على قناعة بأن استقرار الأنظمة رهين باستقرار المجتمعات، وثقة مواطنيها بأنهم يحصلون على حقوقهم، بمجرد أن يؤدوا واجباتهم، وأنهم جميعاً متساوون في حقوق المواطنة أمام القانون، لا فرق بينهم في الدين أو المذهب أو العرق أو الجنس أو الوضع الطبقي، إلا بمقدار جهدهم وعملهم ومواهبهم الشخصية.

وأن النظام العربي يبقى دوماً عرضة للتهديد، ما لم يكن حريصاً على بناء دولة بالديمقراطية، لكي يتيسر اقتلاع كل أشكال التخريب والتخلف، التي بذرتها جماعة الإخوان في بلداننا، والعمل الحثيث لإدراجها منظمة إرهابية على المستوى الدولي.

وكما يبدو في كل اتجاه، فإن بحر السياسة الدولية مليء بالمصالح المتضاربة والمناورات المشبوهة والحيتان الطامعة، ولم يعد أمام النظام العربي من طريق لحل مشكلاته، سوى الاعتماد على نفسه. ولعل الخطوة السعودية الأخيرة لتوقيع ميثاق لمجلس الدول المتشاطئة على البحر الأحمر، هي بداية مبشرة نحو ذلك، ولاستيعاب تلك الرسائل.

 

 

Email