عام التسامح وثقافة التسامح

ت + ت - الحجم الطبيعي

أيام قلائل ونودع عام 2019، عام التسامح، العام الذي أرادت الإمارات وقيادتها الحكيمة من خلاله إيصال رسالة واضحة إلى المنطقة والعالم كله بأن التسامح والسلام والمحبة والأخوة الإنسانية واحترام الآخر هي القيم، التي ترسم أمام البشر أينما كانوا طريق الرخاء والتنمية والسعادة.

ولذا جاء هذا العام حافلاً بالعديد من المبادرات والأنشطة والجهود التي تستهدف ترسيخ هذه القيمة الإنسانية السامية ثقافة مجتمعية، ليس فقط داخل الإمارات، وإنما أيضاً على المستويين الإقليمي والعالمي.

لقد شكل عام التسامح بكل مبادراته وأنشطته وفعالياته محطة مهمة في ترسيخ نموذج التسامح الإماراتي، والانتقال به من الإطار المحلي والإقليمي إلى الإطار العالمي.

وفاقت نجاحاته ومكتسباته ما كان مرسوماً له من أهداف، فعلى المستوى المحلي، كان لتنوع وتعدد المبادرات الخاصة بالتسامح، والتركيز الإعلامي والرسمي على هذه القيمة الإنسانية العظيمة، دور كبير في تعزيز الوعي المجتمعي بها وبأهميتها، وترسيخها ثقافة مجتمعية، وإحاطتها بسياج قوي من الأطر المؤسسية والقانونية والتشريعية، حتى أصبحت جزءاً لا يتجزأ من سمات الشخصية الوطنية الإماراتية.

كما أسهمت الفعاليات والأنشطة المتنوعة، التي شهدتها الدولة خلال عام التسامح في تعزيز الترابط المجتمعي، ونسج خيوط أقوى من التواصل والتفاعل البناء بين مواطني الإمارات والمقيمين على أرضها بمختلف جنسياتهم وانتماءاتهم وثقافاتهم، وهو ما رسخ الصورة الإيجابية للإمارات كونه مجتمعاً متسامحاً في أذهان هذه الجاليات المتنوعة.

وعلى المستوى الخارجي، عملت الإمارات على نشر قيم التسامح والمحبة والإخاء في ربوع المنطقة والعالم كله، ويكفي هنا فقط أن نشير إلى «وثيقة الإخوة الإنسانية»، تلك الوثيقة التي تشكل إنجازاً حضارياً إنسانياً غير مسبوق في مجال ترسيخ ثقافة التسامح والحوار بين أنصار الديانات السماوية المختلفة.

والتي صدرت من أرض الإمارات، أرض التسامح والسلام، وبرعاية من قيادتها الحكيمة، حاملة رسالة تسامح عالمية، ورغبة إماراتية سامية بأن يعم التعايش والتعاون بين أتباع الديانات المختلفة العالم كله. إن هذه الوثيقة، التي وقع عليها قداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، وفضيلة الإمام الدكتور أحمد الطيب، شيخ الجامع الأزهر الشريف، خلال زيارتهما لأرض الإمارات في فبراير الماضي.

تمثل وثيقة تاريخية بكل المقاييس، وتشكل أساساً قوياً لترسيخ معاني الإخوة الإنسانية بين أتباع الديانات المختلفة، التي تحض جميعها على نشر قيم التسامح والتراحم والمحبة، وتنبذ كل صور التطرف والغلو والكراهية، ولا سيما تلك التي يغلفها أصحابها بغلاف ديني مقدس. وتستحق هذه الوثيقة بجدارة أن تصبح من بين الوثائق المرجعية الأساسية للمجتمع الدولي، التي تدعو إلى حرية المعتقد.

وحماية أماكن العبادة، والدفاع عن حقوق الأقليات الدينية، التي تعاني من التمييز ونبذ كل صور الكراهية والتطرف والإرهاب المغلف بالدين، وهو أمر أتوقع أن يحدق قريباً، ولا سيما بعد أن قدم البابا فرنسيس هذه الوثيقة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش، الذي وصفها بـ«النص المهم للغاية» في الوقت الذي يعاني فيه العالم من تطرف ديني متنامٍ يهدد أمنه واستقراره.

لقد أسهمت الفعاليات والمبادرات والأفكار والأنشطة التي طرحتها الإمارات، رسمياً وشعبياً، خلال عام التسامح في ترسيخ نموذج التسامح الإماراتي بوصفه نموذجا عالمياً يسعى كثيرون إلى الاقتداء به، وتعزيز مكانة الإمارات عاصمة للتسامح العالمي، ولكن السؤال الذي كان سيطرح نفسه مع نهاية هذا العام، هو: هل سيتواصل زخم الاهتمام بالتسامح وترسيخه محلياً وإقليمياً ودولياً؟

الواقع أن قيادتنا الرشيدة لم تترك مجالاً لطرح هذا التساؤل، فصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، أكد بوضوح خلال ترؤسه جلسة مجلس الوزراء يوم 8 ديسمبر 2019، أن عام التسامح سيتواصل بكل مبادراته وأنشطته لأن التسامح جزء من الإرث الإماراتي الذي وضعه المؤسسون، وأداة التطور والتنمية وتحقيق الريادة للشعوب.

وهذه الرؤية الحكيمة تنظر إلى التسامح بوصفة قيمة إنسانية ومجتمعية مستدامة، تحتاج إلى اهتمام ورعاية مستمرة، ولا سيما في الأوقات التي تزداد فيها خطورة الأفكار التي تحض على الكراهية والتطرف ورفض الآخر، بكل ما تنطوي عليه من تهديد لأمن المجتمعات واستقرارها، وما يؤكد ذلك أن الاهتمام الرسمي والشعبي بنشر قيم التسامح وقبول الآخر، لم يقتصر على عام التسامح، بل سبقه بسنوات،.

حيث تم تشكيل وزارة للتسامح، ومعهد دولي للتسامح، وتم سن قوانين لترسيخ التسامح ومكافحة الكراهية والتطرف، وغير ذلك من جهود ومبادرات متعددة، تمت جميعها قبل عام التسامح.

وهذا النهج سيتواصل حتماً بعد عام التسامح، لأن القيادة الرشيدة مؤمنة إيماناً مطلقاً بأن التسامح هو طريق أي مجتمع للنهوض والتقدم والازدهار، ولن تهدأ حتى ترسخ هذه القيمة الإنسانية السامية كونها قيمة مستدامة وثقافة مجتمعية راسخة في نفوس الشعوب.

Ⅶ كاتبة إماراتية

 

Email