انتفاضة الحجارة وشوارع العرب

ت + ت - الحجم الطبيعي

اثنتان وثلاثون سنة مرت على اندلاع أطول انتفاضة في التاريخ، وحملت بامتياز لقب «انتفاضة الحجارة» الفلسطينية، التي استمرت سبعة أعوام، ودخلت بهذا الاسم العربي معاجم اللغة. تلك الانتفاضة حوّلت مشروع إقامة الدولة الفلسطينية من الممكن التاريخي إلى الممكن الواقعي، وكان يمكنها أن تحوّل الممكن الواقعي إلى واقع، لولا تدخل المفاوضات السرية على الخط.

من اللافت أن كثيراً من النشطاء والمحللين يقارن بين تلك الانتفاضة الشعبية العارمة، وما يجري في بعض الدول العربية من احتجاجات، بعضها تحول إلى دوامة دموية وتخريبية وتهديمية لأسس الدولة، والنسيج المجتمعي.

وبنظرة سريعة، يتبيّن أن ثمّة فروقات واسعة بين الانتفاضة الفلسطينية والحراكات العربية، حتى تلك التي ترفع شعار السلمية، وظلّت تدور بعيداً عن دولاب الدم والدمار.

التفاصيل كثيرة في الفروق، بل ربما أن العناصر المشتركة لا تكاد تذكر، إذا استثنينا أن أناساً ينزلون إلى الشارع ويهتفون، ولهم مطالب.

الحراكات في الشوارع العربية عموماً لم تكن لها قيادة وبرنامج بديل نقيض للواقع القائم، لكن في الانتفاضة الفلسطينية تشكّلت منذ أيامها الأولى «القيادة الوطنية الموحّدة»، وأصدرت بيانها الأوّل بعد أيام قليلة على الانفجار الذي بدأ في غزة بدهس متعمد لأربعة فلسطينيين، وانتشر سريعاً في كل الأراضي الفلسطينية.

كانت القيادة تلك منظومة توجيه كاملة، وكانت خلفها «قيادتا ظل» جاهزتان للحلول محل القيادة القائمة أو أي من أفرادها في حالات الاعتقال. ونتذكر كيف أن الاحتلال أعلن أنه اعتقل قيادة الانتفاضة وأن الأوضاع ستهدأ، وأن بيانات الانتفاضة ستتوقف عن الصدور، لكن صدور البيان رقم 12 خيّب آمال قادة الاحتلال وأثبت لهم أنهم متوهمون.

صحيح أن أفراد القيادة الوطنية الموحّدة لم يكونوا مكشوفين كونهم أفراداً للرأي العام الفلسطيني، بل كانوا سريين جداً، لكنهم كانوا ممثّلين للفصائل الرئيسية وهي حركة فتح، والجبهتان الشعبية والديمقراطية لتحرير فلسطين، وحزب الشعب، وكانت حركة حماس، التي انطلقت بعد اندلاع الانتفاضة بستة أيام، تصدر بيانات منفصلة، لكن ذلك لم يؤثّر على وحدة الفلسطينيين وحراكهم الانتفاضي. بيان القيادة الموحّدة، الذي كان يحمل أرقاماً متتالية، كان كذلك يتضمن برنامجاً للفعاليات أسبوعياً، بما في ذلك أيام الإضرابات بأنواعها، ثم أصبح كل أسبوعين قبل أن يتحول إلى برنامج شهري.

قيادة الانتفاضة قدّمت للعالم برنامجاً سياسياً قائماً على هدف ناظم جامع هو الحرية والاستقلال وكنس الاحتلال ومستوطنيه عن الأرض الفلسطينية في الضفة، بما فيها القدس، وقطاع غزة، وكان معرفاً أنها تمثّل منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.وإذا كان تدخّل قيادة المنظمة الفوقي من الخارج قد أجهض الانتفاضة وأهدافها، فإن الحراكات العربية الشعبية، طالماً أنها بلا قيادة، عرضة للركوب من جانب جهات متربّصة كثيرة.

Email