رؤية واضحة.. في ظرف استثنائي

ت + ت - الحجم الطبيعي

ليس جديداً أن يكون كل لقاء بين مصر والإمارات خطوة جديدة تؤكد عمق العلاقات الأخوية والتاريخية بين القطرين الشقيقين. ومع ذلك فإن اللقاء الأخير مع زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ومباحثاته المهمة مع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد وقادة الإمارات يكتسب أهمية خاصة، في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها المنطقة والتحديات التي تواجه الأمة العربية.

ولعل القراءة المتأنية للبيان المشترك الصادر عن الزيارة المهمة، تشير بوضوح إلى هذا الوعي الكامل باستثنائية الظروف، وما يستوجب ذلك من حرص على تنمية مواقع القوة العربية وتقديم نماذج في التعاون المشترك قادرة على مواجهة التحديات والإسهام في قيادة المنطقة العربية إلى بر الأمان. يقدم البيان إشارات قوية إلى عمق التعاون الاقتصادي بين البلدين الذي جعل من الإمارات المستثمر الأول على مستوى العالم في مصر، وجعل منها السوق الثالث بين الأسواق التصديرية للمنتجات المصرية، وأوصل حجم التبادل بين البلدين إلى 5.5 مليارات دولار في العام الأخير.. في انتظار الأفضل مع الإعلان عن المنصة الاستثمارية المشتركة برأسمال يتجاوز العشرين مليار دولار. والأهم من الأرقام هو ما يصاحبها من وعي كامل بأنه لا بديل عن التنمية طريقاً لبناء القوة العربية التي نملك معاً كل عناصرها وأهمية الإرادة السياسية التي تؤمن أن مصر هي بوابة الاستقرار والأمن العربيين من ناحية، وأن أمن الخليج العربي جزء أساسي من أمن مصر القومي من ناحية أخرى.

هذه الرؤية التي لا تكتفي بالحديث عن العمل المشترك، بل تعمل جاهدة على تجسيد ذلك باعتباره حائط الأمان الحقيقي في منطقة تموج بالصراعات، وفي ظروف استثنائية يواجه فيها العالم العربي من المخاطر والتحديات ما لم يواجهه منذ أزمنة.

وفي الوقت الذي يشدد فيه البيان المشترك على الحل السياسي طريقاً لحل الأزمة في اليمن وليبيا، ويرحبان باتفاق الرياض من ناحية وبجهود الأمم المتحدة من ناحية أخرى لإنهاء هذه الصراعات، إلا أن الرؤية واضحة في ضرورة التصدي للميليشيات المتطرفة والجماعات الإرهابية المسلحة التي تعوق استعادة وحدة ليبيا، وضرورة إزالة كل المعوقات أمام حوار مسؤول ينهي الأزمة في اليمن. وعلى نفس الطريق تأتي الدعوة للحكومة الإيرانية لإيجاد حل سلمي لقضية جزر الإمارات الثلاث المحتلة، ويأتي التأكيد على أهمية التوصل لحل عادل لأزمة سد النهضة الإثيوبي يؤمن حقوق دول حوض النيل وعدم الإضرار بمصالحها المائية.

ومع هذه الدعوات للحل السلمي ومراعاة الشرعية الدولية، يأتي التأكيد الضروري على إدانة استمرار التدخلات الأجنبية في الشؤون الداخلية لدول المنطقة بما فيها التدخلات الإيرانية والتركية، والتي كان الغزو التركي لشمال سوريا مثالها الأخير، بالإضافة إلى ما نشهده على أرض اليمن وليبيا وغيرهما من الأقطار العربية.الظروف الاستثنائية التي تمر بها المنطقة جعلت البيان المشترك لا يتوقف فقط عند تنمية العلاقات الأخوية بين مصر والإمارات، لكنه يمتد ليقدم موقفاً متكاملاً من قضايا المنطقة ينطلق فيه من نقطتين أساسيتين:

** أن الحل الأساسي لا يمكن أن يكون إلا عربياً، الذين توهموا يوماً أن الأمن يمكن أن يتحقق بالاعتماد على أطراف خارجية، وجدوا بلادهم تتحول إلى ساحة للحروب بالوكالة لتصفية الحسابات الدولية والإقليمية.

** والنقطة الثانية.. أن هذا الحل العربي لا يأتي إلا باستعادة الدولة الوطنية الموحدة، وبناء قوتها، ووحدة شعبها.. لتكون الأساس في أي عمل مشترك وفي أي تعاون من أجل الأمن والاستقرار، ومن أجل البناء والتنمية.

من هنا كانت الحرب على الإرهاب فريضة واجبة، وكان الوقوف ضد التدخل الأجنبي من قوى دولية أو إقليمية ضرورة لإنهاء بحر الدماء الذي أغرق المنطقة بعد أن أصبحت الحرب الطائفية سلاحاً في يد بعض القوى الإقليمية دمرت بها دولاً عربية، وبعد أن أصبحت الميليشيات سلاحها الأساسي لتحقيق أهدافها في التوسع ومد النفوذ في وطن عربي استبيحت أرضه لأبعد مدى.

والآن.. تتضح الحقائق، وتصحو الشعوب على النتائج المروعة لهذه السياسات، ولعل ما نشاهده في العراق ولبنان من انتفاضات شعبية عابرة للطائفية وكاشفة للفساد هي شهادة بدء مرحلة جديدة يعود فيها الشعب الموحد ليبني دولته المستقلة ويحاسب على كل ما حدث!!

ومن الطبيعي ألا تستسلم هذه القوى أو تتوقف عن تدخلها في الشؤون الداخلية للأقطار العربية بسهولة، وسوف نجد آثار ذلك ليس فقط في العراق ولبنان، وإنما أيضا في اليمن وليبيا، وأيضا في فلسطين التي مازالوا يشاركون في التآمر عليها بتعميق الانقسام، وبتكوين الميليشيات التي تعد بتحرير القدس ثم لا تطلق رصاصها إلا في صدور العرب وفي قلب فلسطين!!

وتبقى الإشارة إلى نقطة مهمة في البيان المشترك، وهي الإشارة إلى دور الأزهر الشريف بوصفه منارة لمكافحة الفكر المتطرف ونشر مبادئ الوسطية والاعتدال. والإشارة أيضا إلى جهود الإمارات في الترويج لقيم التسامح والتعايش السلمي بين الحضارات والأديان.

تأتي هذه الإشارة بينما كان شيخ الأزهر يلتقي في روما مع بابا الفاتيكان وبينما العمل يجري للإعداد لمؤتمر عالمي في رحاب الأزهر الشريف لتجديد الفكر الديني يعقد خلال شهرين وبعد وثيقة أبوظبي للتسامح الديني التي شارك فيها الأزهر مع الفاتيكان.

وتأتي الإشارة هنا لتؤكد مرة أخرى أن هناك رؤية متكاملة تدرك أن المواجهة شاملة تبدأ من بناء القوة الذاتية ثم تمتد للتعاون والتكامل في إطار عربي، نعرف أن هذا الطريق هو الأصعب لكنه هو الذي ينتصر للدولة الوطنية التي ترفض التدخل الأجنبي، وللعروبة التي تنهي حكم الميليشيات وعصابات الإرهاب الإخواني - الداعشي، ولدين لا يعرف إلا التسامح ولا يسمح لمهووس أن يحلم بخلافة مزعومة ولا لقاتل مأجور أن يرفع راية الإسلام ليخفي جرائمه.

قضيتنا عربية، والحل في يدنا، والطريق لا يحتمل اللف أو الدوران!!

* كاتب صحفي

Email