الاستثناء السوداني

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا شك في أن الثورة فعل شعبي عفوي لا تنظيم فيه ولا تخطيط مسبقاً لخطواته، بل إنها غالباً ما تبدأ على شكل احتجاجات محددة المطالب، ليتطور إلى حراك مستمر بأهداف محددة، لكن للأسف فإن أغلب المحتجين في عدد من البلدان العربية باستثناء السودان لم يحققوا حتى الآن مطالبهم في ظل غياب الرؤية الاستراتيجية، المعُززة لاستدامة التّحوُّل الديمقراطي.

صحيح أن الشعب يقود ثورة.. «الشعب هو رداء الثورة» ولا بد للثورة من قيادة توجه الثورة، فقد أخطأ المتظاهرون خطأً فادحاً حين ظنوا إمكانية نجاح حِراكهم دون قيادة موحدة تحدد أهدافه، وتجمعهم على تحقيقها، فأغلب الثورات الناجحة عبر التاريخ، تشير إلى أهمية أن تكون قيادات الثورة المحرك الرئيسي للاحتجاجات وهي الفاعل الأساسي القادر على الضغط على السلطة لتحقيق نتائج ملموسة، لكن حتى الآن لا الحراك في الجزائر ولا في العراق ولا لبنان حقق الأهداف المرجوة على اعتبار أنه اخترق من جهات قوضت فعاليته وجعلته رهينة «إملاءات» الأحزاب، حيث إن الشعب قد عجز عن إفراز فئة تعبِّر عن طموحاته، فيما تبقى الثورة السودانية هي «الاستثناء» الذي تمثل بوجود قيادة جماعية، لها برنامج، ممثلة في حركة الحرية والتغيير، وفي صلبها وطليعتها تجمع المهنيين السودانيين، الذي يُمثل رأس الحربة داخل الثورة السودانية بقطاعاته المهنية أسهم في تحقيق إنجاز تاريخي، أدى إلى إعلان حكومة انتقالية ومجلس سيادي بمشاركة الجميع.

لا يمكن أن تستغني أي ثورة عن قيادة فكرية ترسم لها طريقها، وتضع لها الخطط الاستراتيجية، فشباب الحراك في الشوارع، يحتاجون لإسناد حقيقي من الجميع قبل القفز إلى نهايات قد تقود لإجهاض الانتفاضة، كما ينبغي تحديد أهداف دقيقة دون تشتت وقابلة للتنفيذ حتى لا يقال إن المتظاهرين ليس لديهم مطالب واضحة ويلجأون إلى الشروط التعجيزية لتمديد عمر الأزمة. ولهذا فقد آن الأوان لإعادة بناء الوعي الثوريّ، وتجديده باستمرار لتحقيق الغايات المرجوة في مجتمع ديمقراطي، حر، مدني.

Email