مؤرخ المحرقة.. نتانياهو هتلر إسرائيل

ت + ت - الحجم الطبيعي

كلما هبت ريح الحقيقة تحسست إسرائيل وجودها. وكلما تشقق حائط بيت العنكبوت الذي بنته على أرض فلسطين المسروقة، نظرت إلى حقائب السفر المركونة عند باب البحر الذي جاء مواطنوها منه ودخلوا فلسطين خلسة بحماية حكومة الانتداب البريطاني.

لطالما تحدث مؤرخون وكتاب وسياسيون عن هذه الحقيقة المدفونة تحت تلال الكذب الإسرائيلي، لكن، هذه المرة، يأتي الحديث بل التحذير من رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق، والقيادي في كتلة «كاحول لافان» - أبيض أزرق -عضو الكنيست غابي اشكنازي، بقوله إن التهديد الأخطر على إسرائيل ليس الخارجي بل تآكل وتفتت التكتل والوحدة الداخلية للمجتمع الإسرائيلي.

واعتبر أن «سر قوتنا بوحدتنا، وبحقيقة أنه يوجد إجماع قومي على معظم المواضيع. لماذا نحن هنا؟ أية دولة نريد؟ ما هي الواجبات المدنية؟ ماذا تعني سلطة القانون؟ ما هي الديمقراطية؟».

وذلك في مقابلة معه نشرتها صحيفة «معاريف» أخيراً وحذر اشكنازي من أنه «في الوقت الذي يتفتت فيه الإجماع القومي حول هذه المواضيع، فإن هذا سيفكك المجتمع الإسرائيلي ويمكن أن يشكل خطراً على المشروع الصهيوني كله».

الخطير والمهم في كلام اشكنازي، الذي تنافس كتلته كتلة نتانياهو الليكود، طرحه أسئلة وجودية تمس عصب «إسرائيل». فحين يقول: لماذا نحن هنا؟ يعني لماذا نحن في فلسطين التي ليست لنا. «ما هي الديمقراطية؟ اعتراف بأن ديمقراطية إسرائيل مزيفة. أما تعبير «الخطر على المشروع الصهيوني كله»، فالمقصود به «وجود إسرائيل» طبعاً.

منذ إنشائها وقبول الأمم المتحدة بها العام 1948 على شريط بحري من فلسطين ثم اعتراف العرب بها ابتداءً من اتفاقية كامب ديفيد ثم أوسلو ثم وادي عربة، ظل ساسة إسرائيل يطمعون بالمزيد، ويظنون أن منطق القوة يتغلب على قوة المنطق.

إلى أن تسلم الحكم الأهوج المغرور بنيامين نتانياهو وجاء إلى حكومته بالمتعصبين والمتطرفين والداعين إلى أن «قتل العربي أمر من الرب» لليهود «شعبه المختار».

ومن التحايل على معاهدات السلام إلى جدار الفصل العنصري ورفض حل الدولتين إلى الدولة اليهودية إلى ضم الجولان، ظل نتانياهو وعصابته يصدعون المجتمع الصهيوني ويصعدون إلى الهاوية. وهذا ما يحذر منه اشكنازي وغيره.

التطور الأخطر هو تشبيه نتانياهو بهتلر وهو تشبيه غير مسبوق على لسان المؤرخ الإسرائيلي المختصّ بالمحرقة النازيّة، دانييل بالتمان، الذي شبه وضع السياسة الإسرائيلية اليوم، بالوضع الذي ساد في ألمانيا عشية صعود زعيم الحزب النازي، أدولف هتلر، إلى الحكم، حيث سبقت ذلك ثلاث معارك انتخابية للرايخستاغ خلال سنتين.

وأشار بالتمان في مقال نشرته «هآرتس» إلى أنّ مميزات الساحة الألمانية، في حينه، من حالة عدم الاستقرار الذي ساد النظام السياسي، إلى عدم القدرة على إقامة حكومة ثابتة من قبل اليسار أو يمين الوسط، وأحابيل السياسيين، إلى جانب وجود قوة فاشية منظمة، تسعى لاستلام السلطة ودفن الديمقراطية، كلها مميزات شبيهة، إلى حدٍ بعيد، بالحالة السائدة في إسرائيل اليوم.

ويقول بالتمان إنّ الرئيس الألماني، المارشال باول فون هايندبرغ، الذي تمتّع في حينه بصلاحيات تفوق صلاحيات رئيس إسرائيل، رؤوفين ريفلين، وجد نفسه بعد معركة انتخابية أخرى لم تؤدِ إلى حسم سياسي في نوفمبر 1932، في وضع شبيه بوضع ريفلين اليوم، وأمام سؤال حول سبيل الخروج من الفراغ السياسي ومنع الانهيار والفوضى التي من شأنهما جلب هتلر إلى الحكم.

ويخشى ريفلين، بحسب بالتمان، من جولة انتخابية ثالثة، ليس لأن الجمهور تعب فقط، بل خوفاً من أن ينجح رئيس الحكومة الحاليّة، بنيامين نتانياهو، في إخضاع مصير الدولة لمصير تورّطه القضائي وتشكيل ائتلاف واسع يتوحد حول الطموح بالقضاء على الديمقراطية الإسرائيلية.

وهو ائتلاف يضم ميكي زوهر (الليكود)، الذي يؤمن بتمتع العرق اليهودي بصفات خاصة، ومؤيدي أبرتهايد وتطهير عرقي مثل بتسلئيل سموتريتش («البيت اليهودي»)، ومجموعة «لهفا» و«عوتسماه يهوديت»، الذين لا يخشون من استعمال العنف ضد المواطنين العرب للحفاظ على «طهارة الدم اليهودي».

من السهل، كما يقول المؤرخ الإسرائيلي، إقناع شعب تَعِبَ، وأصابه الاشمئزاز من معارك تعبق بالحقد والكراهية، أنّه ليس من الأهمية بمكان إدارة عجلة «الروليت الروسية» كل أربع سنوات، ويمكن تحويل ذلك إلى إجراء رمزي فقط.

المجتمع الإسرائيلي يهتز من الداخل، و«الدولة» كحبة جوز صلبة من الخارج هشة من الداخل وانتفاضة الفلاشا الأخيرة شاهد على ذلك، وستنهار يوماً ما.

Ⅶ كاتب أردني

 

Email