إشراقات من أول رحلة فضائية إماراتية

ت + ت - الحجم الطبيعي

حققت دولة الإمارات إنجازاً تاريخياً غير مسبوق، بوصول أول رائد فضاء إماراتي وعربي هزاع المنصوري إلى محطة الفضاء الدولية، وعودته منها إلى الأرض، بعد نجاح مهمته التاريخية، ليصبح بطلاً ملهماً للشباب في كل مكان، وقدوة لهم في اكتساب العلم والمعرفة، وخوض سباق التحدي والتنافس بجدارة، وتحويل الأحلام المأمولة إلى واقع مشرف ملموس.

وهذا الإنجاز الذي حققته دولة الإمارات لم يأت من فراغ، بل جاء بعد رؤية استثنائية من قيادة دولة الإمارات للدخول بقوة في مضمار استكشاف الفضاء، وتبوؤ الصدارة والريادة في ذلك، لتكون ضمن الدول الكبرى في علوم الفضاء، واستثمار ذلك فيما يعود على البشرية بالخير والازدهار، كما يأتي ذلك ضمن الرؤية الإماراتية في بناء الإنسان، وتمكين الشباب، واستثمار مواهبهم وطاقاتهم، وتشجيعهم وتأهيلهم ليكونوا قادرين على أداء أرفع المهمات في مختلف المجالات، وبناء مجتمع علمي، يتحلى أبناؤه بحب العلم والمعرفة والتفكير الراقي، والرغبة في الاستكشاف والابتكار والإبداع، ومواكبة أحدث ما تفرزه حقول العلوم المتنوعة، بل والمساهمة في ذلك، لتكون دولة الإمارات دولة فاعلة في ميادين العلوم الحديثة.

وهذا الاهتمام من دولة الإمارات بعلوم الفضاء ليس وليد الساعة، بل بدأ مع السنوات الأولى للاتحاد، على يد مؤسس الدولة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ، طيب الله ثراه، إذْ زار دولة الإمارات عام 1974 رائد الفضاء الأمريكي جيمس إيروين أحد أفراد مركبة أبولو 15 الذين هبطوا على سطح القمر عام 1971 وألقى محاضرة علمية في الإمارات عن تجربته في الفضاء، واحتفى به الشيخ زايد رحمه الله قائلاً أثناء استقباله: «إن رحلات الفضاء يفخر بها كل إنسان على وجه الأرض، لأنها تجسد الإيمان بالله وقدرته، ونحن نشعر كعرب بأن لنا دوراً عظيماً في هذا المشروع وهذه الأبحاث، ونحن فخورون بالتقدم الهائل في علوم الفضاء بفضل القواعد التي أرساها العلماء العرب منذ مئات السنين».

وها هو طموح زايد اليوم يتحقق واقعاً ملموساً مشرقاً بوصول أول رائد فضاء إماراتي وعربي إلى محطة الفضاء الدولية، هذا الحدث التاريخي الذي ترك صدى كبيراً داخل الإمارات وخارجها، فعلى المستوى المحلي أدى هذا الإنجاز إلى نقلة ثقافية نوعية في المجتمع، فأصبح هناك اهتمام كبير من الصغير والكبير بالفضاء وعلومه، وقد شهد مركز محمد بن راشد للفضاء حضوراً ملفتاً من الطلبة والجماهير على مدى الأيام السابقة للتواصل مع رائد الفضاء الإماراتي هزاع المنصوري، والاستماع إليه، ومعرفة ما يقوم به من تجارب، وتوجيه الأسئلة إليه عن طبيعة عمله وحياته في الفضاء، وأصبح هذا الحدث حديث الساعة في البيوت والمجالس، كما اشتعلت الصحف المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي في الإمارات بالاعتزاز بهذا الحدث، والإشادة به، والثناء على رائد الفضاء الإماراتي، سواء على مستوى القيادة أو الشعب، ما يعكس الاهتمام المجتمعي منقطع النظير بهذا الحدث التاريخي، وكذلك على المستوى الخارجي لاقى هذا الإنجاز الحضاري صدى بالغاً عربياً وعالمياً، ما يعزز مكانة دولة الإمارات على خارطة التقدم والنهضة والتفوق العلمي.

إن لهذه الرحلة الفضائية تأثيراً كبيراً على حاضر الأجيال ومستقبلها، فهي تحلق بالعقول في آفاق الفضاء الرحب، الذي يمتلئ بالأسرار والألغاز والمناطق المجهولة المترامية الأطراف التي تثير التفكير وتبعث على الاستكشاف، وتحرك طموح المبدعين، سواء على المستوى العلمي بالتوصل إلى كشف أسرار الكون وقوانينه، أو على مستوى الاستثمار العملي لخيرات الفضاء بما يعود بالرفاه والازدهار على الإنسان، كما قال سبحانه: {وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه}.

قال المفسرون: «معنى تسخير هذه النعم أن الله تعالى خلقها على وجه ينتفع بها العباد»، وقد اهتم علماء الدين المعاصرون بتسليط الضوء على أهمية العلوم الكونية، ومنهم العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي (المتوفى سنة 1376هـ / 1956م) الذي نوَه في مواضع عدة من كتبه على أن العلوم الكونية من العلوم المهمة التي تشتمل على مصالح عظيمة، وأنه ينبغي العناية بطلبها، مستدلاً من الكتاب والسنة على أن العلم الذي يثاب عليه الإنسان يشمل علوم الشرع ووسائلها والعلوم الكونية والدنيوية النافعة.

ونشيد هنا بمركز محمد بن راشد لعلوم الفضاء على هذا الإنجاز التاريخي الذي يضم إلى سلسلة إنجازاته المتواصلة، وما يبذله من جهود متنوعة في هذا المضمار العلمي، سواء بتبادل المعارف العلمية مع الجامعات والمؤسسات والوكالات الدولية، أو بإطلاق الأقمار الصناعية الإماراتية، أو بالمشاركة في رحلات الفضاء، وصولاً بإذن الله إلى إطلاق مشروع «مسبار الأمل» لاستكشاف كوكب المريخ.

إن دولة الإمارات دولة ريادية ملهمة، تزرع الأمل والسعادة، وترفع الهمم والعزائم، وتحول الأحلام والطموحات الكبيرة إلى إنجازات خالدة يتوارثها الأجيال.

نهنئ دولة الإمارات قيادة وشعباً بهذا الإنجاز التاريخي المشرف، متمنين لدولتنا دائماً دوام التقدم والرفعة والازدهار في شتى المجالات.

 

 

Email