وجهة نظر

اللعب على الحبال

ت + ت - الحجم الطبيعي

كثيرون رفعوا حواجبهم انبهاراً بخطاب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو يرفع خارطة «إسرائيل»، ويرفع صوته صارخاً «أين هي حدود إسرائيل؟!»، وذلك بعد أن أشار إلى المستوطنات المنتشرة في أرجاء الضفة الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس، أولى القبلتين وثالث الحرمين، لمن نسوا.

في أحايين كثيرة ينبغي أن يرتد السؤال إلى صاحبه، ومنها هذه الحالة. فإذا كان أردوغان يسأل: أين هي «إسرائيل»؟، فينبغي أن نسأله: لماذا تعترف بها إذاً؟ ولماذا حافظت، بل طوّرت العلاقات معها في كل المجالات العسكرية والأمنية والتجارية، إلى مستويات غير مسبوقة، منذ اعتراف تركيا بالدولة الصهيونية المقامة على أنقاض الشعب الفلسطيني المهجّر بالمجازر والمؤامرات؟!.

التناقضات واللعب على الحبال سياسة يجيدها حزب «العدالة والتنمية» في تركيا بشكل لافت، لكن اللافت أكثر أن هذا الحزب لم ينتبه إلى أن هذه السياسة تؤتي أكلها لوقت ما، ثم تبدأ بالتحول إلى منتهية الصلاحية مع مرور الوقت. هذا بدا واضحاً في الانتخابات البلدية الأخيرة، قبل شهرين، حيث خسر هذا الحزب ثقة الناخبين في المدن الرئيسية الكبرى، فضلاً عن الانشقاقات التي يقودها قادة كبار، كانوا حتى الأمس على يمين ويسار وأمام وخلف أردوغان.

الموضوع الفلسطيني مادة للمزايدة والمتاجرة لدى الكثيرين، بما في ذلك السوق التركية، لكن الكلام السياسي بلا جمرك. قادة تركيا يتحدثون عن فلسطين، وبخاصة غزة، كثيراً، لكن الاحتلال يفعل ما يشاء، ولم تتحرك سفينة «مرمرة» جديدة لفك الحصار عن غزة، وذهبت دماء شهداء «مرمرة» الأولى هدراً.

أنقرة تخوض خلافاً مع واشنطن قبل وبعد عقدها صفقة صواريخ «إس 400» مع موسكو، لكنها تسيّر دوريات مشتركة مع الولايات المتحدة في أرض تحتلها في الشمال السوري، أم ماذا نسمي ذلك؟. هل هي ضيافة حين تدخل أرض الجيران من دون إذن منهم أو حتى قرار أممي؟.

ليس هذا فحسب.. أنقرة تمارس التتريك في الشمال السوري، لغة وأعلاماً وبضائع، وذكر البعض كذلك مناهج المدارس، فيما يبقى الكرد شمّاعة يعلّق عليها الأتراك سياسات لا علاقة لها بالمخاوف الأمنية، إذ نعلم جميعاً أن الأراضي السورية لم تكن منطلقاً لأي تهديد يطال تركيا، قبل أن تتحول تركيا إلى ممر لإدخال المسلّحين المرتزقة القادمين من شتى البقاع.

تركيا - وهي بلد جميل وتاريخي وعريق -، لا نريد لها أو بها أي شرّ أو أذى، لكنها ستكون أجمل إن تخلّت عن سياسة اللعب على الحبال، واعتمدت سياسة حسن الجوار.

Email