الحملة على مصر.. لماذا الآن؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

الحملة الشرسة التي تتعرض لها مصر الآن قد تكون امتداداً للموجة الأخيرة من الهجوم الذي لم ينقطع على مصر منذ سقوط حكم الإخوان وإنقاذ أرض الكنانة مما كان يدبر لها وللعالم العربي لو استمرت الفاشية الدينية تحكم، واستمر مخطط الفوضى غير الخلاقة ولا أخلاقية حتى نهايتها.

لكن الأمر هنا يختلف حين تأتي هذه الحملة المسعورة وسط أحداث جسام ومخاطر تهدد مصر والمنطقة، وحين تدخل هذه الحملة بجنونها إلى المنطقة المحظورة وطنياً باستهداف جيش مصر العظيم.

وبعيداً عن أحاديث الحشاشين وثرثرة السماسرة وأصحاب المصالح، وبعيداً أيضاً عن دخول الإخوان بطريقة يبدو فيها الأمر وكأنهم يخوضون آخر معاركهم.. يبدو لافتاً أن نجد دولاً تتجاوز كل المحظورات وتضع كل إمكانياتها لخدمة الحملة المسعورة، لتكشف أن المخطط أكبر بكثير من هلاوس الحشيش والماريغوانا، ومن عملاء سيظلون صغاراً حتى ينتهي دورهم!!

تأتي الحملة المسعورة وجيش مصر يخوض المراحل النهائية لتصفية الإرهاب الإخواني الداعشي الذي أراد أن يستوطن سيناء، وأن ينشر الدمار في ربوع مصر.

كما تأتي هذه الحملة بعد ثورة السودان التي أنهت ثلاثين عاماً من العربدة الإخوانية التي أورثت السودان هذه التركة الثقيلة، والتي سمحت لعصابات الإرهاب أن تستبيح أرض السودان وأن تهدد أمنه وأمن أشقائه من دول الجوار، ويترافق ذلك مع اقتراب ليبيا من حل سياسي يستعيد الدولة ويقضي على عصابات الإرهاب وفي مقدمتها الإخوان، ويمنع مخطط تحويل ليبيا إلى نقطة ارتكاز تستقبل مطاريد الإرهاب المهزومين في سوريا، وهو المخطط الذي تشرف عليه «تركيا أردوغان» وترى فيه توسيعاً لنفوذها ومحاولة للضغط على مصر، وتواجداً تبتز من خلاله دول شمال أفريقيا وأوروبا، وتعزز فيه وجودها في البحر المتوسط، حيث بدأت في ممارسة البلطجة في الصراع الذي بدأ حول غاز شرق المتوسط.

وتأتي هذه الحملة المسعورة في ظل أوضاع تهدد فيها إيران استقرار الخليج، وتضع المنطقة كلها في قلب أزمة خطيرة، بعد أن امتد العدوان ليستهدف معامل البترول في السعودية، فاتحاً الأبواب لتهديد المصالح الدولية في إمدادات البترول، وفي تهديد المعابر البحرية من مضيق هرمز إلى البحر الأحمر.

ولا تقتصر المخاطر على ذلك، فبينما يخوض جيش مصر معركته الحاسمة ضد الإرهاب - ويتحمل مسؤولية تأمين الحدود، ويؤمن مصالح مصر في البحر المتوسط والبحر الأحمر وبينهما المعبر العالمي في قناة السويس - يبرز من جديد الخلاف مع إثيوبيا حول سد النهضة، فبعد فترة من انتعاش الآمال في الوصول لحل مرضٍ لكل الأطراف في ظل السلطة الجديدة في أديس أبابا، تفاجأ مصر بموقف إثيوبي يماطل لكسب الوقت.

ورغم أن مصر ما زالت تبذل الجهد للتوصل لاتفاق يحفظ مصالح وحقوق كل الأطراف، إلا أن الوضع يزداد تعقيداً مع اقتراب مرحلة بدء ملء السد بالمياه، ومع استمرار المراوغة والامتناع من الجانب الإثيوبي عن الإقرار بالحقوق التاريخية لبلدي المصب.. ثم مع الدخول المريب لإسرائيل على الخط، والمعلومات عن نشر بطاريات صواريخ إسرائيلية حول السد!!

ويأخذنا الحديث عن إسرائيل هنا إلى الأخطر. حيث تقول واشنطن إن مبادرتها التي تسميها «صفقة القرن» سوف تعلن قريباً كما وعدت الإدارة الأمريكية، وإذا كان نتانياهو قد استبق المبادرة بالإعلان عن عزمه ضم غور الأردن ومستوطنات الضفة لإسرائيل، فإن الآتي أسوأ.. خاصة مع تعقد الموقف السياسي داخل إسرائيل بعد الانتخابات الأخيرة، ومع استمرار التصعيد اليميني والتأكيد على عنصرية الكيان الصهيوني، رهان إسرائيل الأساسي هو على الانقسام الفلسطيني وعلى ما تواجهه الأمة العربية بعد سنوات التراجع وما دفعته - وما زالت - من فواتير للإرهاب ولمحاولات مد النفوذ من القوى الإقليمية، ومخططات الهيمنة من القوى الدولية.

كل هذه المخططات المعادية لا يناسبها حضور مصري قوي يستند إلى جيش هو الأقوى في المنطقة، وهو الأساس لحماية الاستقرار وصون الحقوق العربية، من هنا تأتي شراسة الحملة على مصر وجيشها الوطني، ومن هنا يأتي اليقين بأنهم يحرثون في البحر ويراهنون على المستحيل.

على مر تاريخنا الحديث كان جيش مصر هو جيش الشعب حين وقف عرابي في نهاية القرن التاسع عشر يتحدث باسم أبناء الفلاحين، كان الجيش والشعب معاً وراءه، وحين خرج عبد الناصر ليقود حركة يوليو كان يحمل هموم وآمال كل المصريين الذين حولوا «الحركة» إلى واحدة من أعظم ثورات التاريخ، وحين خرجت الملايين في يناير 2011 ثم في يونيو 2013 كان الجيش هو الذي حسم الأمر بانحيازه الطبيعي لإرادة الشعب.

وبعيداً عن أحاديث الحشاشين وتحريض الخونة الصغار.. يقف جيش مصر الوطني حامياً لأرض الكنانة، ماضياً لحسم المعركة ضد عصابات الإرهاب الإخواني، مستعداً لمواجهة كل التحديات، مجسداً لإرادة وطن لا يعرف الطائفية ولا تمزقه الصراعات المذهبية.

سلاماً لمصر التي يزعج حضورها الكثيرين من الأعداء الكبار والعملاء الصغار، والخونة الذين يروجون أضاليل الإخوان والذين يتوهمون أن الجدار الصلب لمصر الموحدة يمكن يوماً أن ينكسر.

Email