الأسوأ والأفضل في الإدارة

ت + ت - الحجم الطبيعي

في كل مسابقات العالم تتجه الأنظار نحو الأفضل، وننسى الأسوأ في مضمار السباق، ولذا وقفت طويلاً أتأمل قائمة «أفضل وأسوأ خمسة مراكز خدمة حكومية في دولة الإمارات» من نحو 600 مركز، التي أعلن عنها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله.

الإعلان عن قائمة الأفضل والأسوأ واضح أنه توجّه جاد في التطوير الإداري، لأنه قد تبعته إجراءات جدية وفورية في التطوير في شتى المراكز، غير أن قائمة الأفضل والأسوأ تحمل في طياتها رسالة تنموية وصلت ارتداداتها إلينا في الكويت، إذ ولدت نقاشاً متشعباً وجلداً للذات مفاده: لمَ لا نقيّم نحن أيضاً بموضوعية واستقلالية كل جهاتنا لنرتقي بخدماتنا، وفق ما نشرته صحيفة القبس في تقرير للزميل المتألق يوسف المطيري.

ما فعله الشيخ محمد توجّه جاد للإصلاح، وله في الواقع جانب رمزي، فأسوأ خمس جهات ليست هي المعنية بالضرورة، بل كل جهة لم تحقق مراتب متقدمة والتي من المفترض أن تتفاعل سريعاً بإعادة النظر بآلية العمل الداخلية، وقراراتها، واختياراتها، وخدماتها المقدمة للجمهور.

فرحنا سابقا بعصر الإنترنت بأنه سيكشف مواطن الخلل في أجهزتنا العربية وتحديداً تلك المتعاملة مع الجمهور، لكن هذه الأمور الإصلاحية لا يمكن أن تترك لردود الأفعال الإعلامية أو الشعبية، فلا بد من منهج إصلاحي تحدد فيه العناصر المطلوبة للتقييم بدقة متناهية، ويعرفها كل من يعمل بالمؤسسة، حتى تقام على العاملين الحجة إن أخفقوا في عملهم، فالتقاعس في العمل العام له «تأثير لعبة الدومينوز» إن سقطت قطعة (موظف) سقطت جهود سائر العاملين، بدرجة أو بأخرى.

ولذا من الحلول التي يلجأ إليها في الإدارة التطبيق الحرفي للمعايير الموضوعة أولاً، أو تطبيق معايير الجودة (الأيزو)، فهي بمثابة خارطة الطريق التي ترشد الإدارة إلى كيفية تحويل آلية العمل في الجهة من جهود فردية رهينة حماسة العاملين إلى عمل مؤسسي يتقدم باستمرار مهما تفاوتت همة العاملين. بالأحرى معايير الجودة، مع مرور الوقت، تتحول إلى ثقافة داخلية سائدة، وكلما تعززت الميكنة.

وزادت جودة التدريب شعر الناس بأنهم يدخلون إلى بيئة عمل متجددة ذات رونق جاذب، فكيف تتطور المؤسسة وقياداتها وهم لم يتلقوا التدريب الكافي، ولذا نحرص دائماً على تأكيد أهمية تأهيل القيادات، فهم في نهاية المطاف من يقودون دفة السفينة، وهذا أحد أسباب تركيزي على تقديم ورش عمل لتطوير القيادات. ولا يمكن أن تتقدم أي مؤسسة عامة أو خاصة وهي تفتقر إلى مبدأ الثواب والعقاب، فمن أمن العقوبة «أساء العمل»، وربما الأدب كما يقال.

كما أن المؤسسة إذا ما أعلنت عن معايير تقييمها، وحددت بدقة متناهية إجراءات العمل، فإن مهمة المدقق الخارجي والداخلي سوف تكون سهلة، كما يصبح في مقدور أي باحث مقارنة الأداء بفترات زمنية متباعدة لتقييم الجهد المبذول.

قبل بضعة شهور تواصلت معي جهة ما لديها جهاز يقيم كل معاملة يؤديها الموظف، ولا تتم المعاملة حتى ينهي المراجع أو المتعامل تقييمه للموظف. وتفادت من خلاله سلبيات أجهزة التقييم الشهيرة في المطارات التي يلهو بها الأطفال فيفسدون دقة النتائج..

حاولت شخصياً أن أروج لها في دائرة علاقاتي المهنية، ولكن لا حياة لمن تنادى، والمشكلة أن الموظف إن لم يشعر أن كفاءة وسرعة عمله يتم تقييمها بطريقة منهجية وموضوعية فإنه قد يركن إلى شيء من التقاعس، وهذه فطرة بشرية.

وعليه يصعب أن تحدد قائمة الأسوأ والأفضل في العمل الإداري من دون معايير دقيقة وواضحة، وهو ما استندت إليه حكومة الإمارات في تقييم لافت يستحق أن يتأمله كل مسؤول عربي.

Ⅶ كاتب كويتي

 

Email