حق «تقرير المصير»!

ت + ت - الحجم الطبيعي

الجائع يرى القمر رغيفاً. العطشان في الصحراء يرى السراب ماءً. أما الشبعان فإنه لا يحتاج إلى الرغيف، لما يحويه الخبز من نشويات، ويكتفي بقليل من «التوست» ومعه أو بين طبقتين منه كثير من الهامبرغر أو المرتديلا أو الجبن الفرنسي المستورد ذي الألف نوع الذي تنتجه فرنسا.الشبعان ينتصر للحيوان وينسى الإنسان.

تماماً كما فعلت تلك السائحة البريطانية التي ألقت بنفسها على أقفاص الدجاج المعروض للبيع في الشارع بمدينة طنجة بالمغرب، وعندما حاول البائع منعها عضته وهاجمته باللكمات وصاحت: وااابوريس جونسوناااااه، داعية إياه لتسيير الجيش البريطاني وبوارجه لاستعمار المغرب و«تحرير دجاجة من الأسر والدفاع عن حقه بتقرير المصير».

ونقل عنها قولها « إن المغاربة المتوحشين يعتقلون الدجاجات دون أي ذنب، ويعرضونها في الشارع ليحرقوا قلوبها، وهي تشاهد الجميع طلقاء..

يتاجرون بها لتساق إلى حتفها، فتذبح وتنتف بكل همجية وتطبخ بطرق بدائية لا ترقى لمعاييرنا الإنسانية بالتعامل معها، إذ نضعها في مزارع كبرى، ونقتلها بطرق حضارية كالصعق أو الخنق، وبعد إزالة الريش عنها بأحدث الآلات، نضعها في أكياس ذات تصاميم أنيقة ونورِّدها إلى المتاجر لتُرتب في الثلاجات، أو تُرسل إلى مطاعم محترمة لتُقطَّع وتُقلى أو تُطبخ أو تُشوى على يد أمهر الطباخين وبأفضل الأدوات».

لا تعلم هذه الغبية أن كلمة «حلال» المنتشرة في متاجر بلادها لها أصل علمي وطبي، إذ إن الخنق والصعق يبقي الدم في العروق واللحم مما يتسبب في أمراض منها السرطان.

لم تكتف بالشتائم العنصرية الجاهلة بل دعت بلادها إلى «الإسراع بضبط المغاربة وقتلهم إن رفضوا الرضوخ لنا، لأنهم لا يقيمون وزناً للحياة كلها، ولا تقتصر جرائمهم على الدجاج فحسب، بل تمتد لتشمل البقر والخراف. إنهم يعاملونها كما عاملنا الإرهابيين في العراق». يا عيني على الإنسانية. اقتلوا الإنسان من أجل الحيوان!!

طبعاً، لم تحرك السائحة ساكناً لمئات الآلاف من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، ولا إلى الذبح والحرق الذي يتعرض له أطفال فلسطين على أيدي النازيين الجدد. ولم تشارك في تظاهرة واحدة من عشرات التظاهرات التي اجتاحت لندن ومدناً بريطانية في كل عدوان يرتكبه الاحتلال على الشعب الفلسطيني. كما لم تدع إلى تحرير الفلسطينيين من الاحتلال ومنحهم حق تقرير المصير، بل إلى «تحرير» الدجاج ومنحه «حق تقرير المصير»!!

مؤسف أن يفكر إنسان في القرن الحادي والعشرين بهذه العقلية. وماذا لو افترضنا جدلاً وتخيلنا أن رئيس وزراء بريطانيا نفذ طلبها وأرسل جيوش بريطانيا إلى المغرب «لتحرير الدجاج»؟!

إنه التخلف بعينه، العودة إلى ما قبل العصور الوسطى بملابس حضارية وعقول عصافيرية أين منها حروب اسبرطة وطروادة.

صحيح أن بريطانيا احتلت الهند من اجل التوابل، كما يقال، لكن كان ثمة أسباب أخرى تجارية واقتصادية. فمع بداية القرن السابع عشر، وصحيح أن من أهم العوامل التي دفعت الدول الأوروبية إلى الاستعمار هي البحث عن الأموال، والسيطرة الاقتصادية، وجَني الأرباح. فقد نشأت بدايات الاستعمار للأغراض الاقتصادية من قبل الإسبان الذين نقّبوا عن الذهب عند اكتشافهم العالم الجديد وخاصة الأمريكيتين، وأدركوا مقدار الربح والقوة الاقتصادية التي يمكن جنيها بواسطة عمليات تصدير هذه المواد بعمليات منظّمة ومنسّقة.

أما الدوافع السياسية للاستعمار فإن القرن التاسع عشر يعد عصر القوميات، والحِراك السياسي القوي القائم على التنافس بين الدول من أجل السيطرة على مصادر القوى والتربّع على العرش، وامتلاك السلطات ذات النفوذ القوي، بالإضافة إلى اكتساب المكانة المرموقة سياسياً، وهذه العوامل هي التي أدت فيما بعد إلى قيام الحرب العالمية الأولى.

كما كانت أحد أهم دوافع الرغبة في ظهور التوسع الاستعماري، ومن هذا الإطار السياسي تفرّعت الأسباب لكل بلد؛ فمثلاً فرنسا دفعتها هزيمتها أمام بروسيا عام 1870م، إلى التوسع الاستعماري لمحو الهزيمة من ذاكرتها، أما ألمانيا وإيطاليا وقد كانتا حديثتي الحضارة والنشوء، فكان دافعهما الرغبة في الحلول مكان الإمبراطوريات الأوروبية التي هُزِمت. أما الاستعمار من أجل الدجاج فهذه الدعوة، على سخافتها لتدل على أي مستوى هبط إليه الإنسان المتخم بالشبع واللحم والجهل!

* كاتب أردني

 

Email