الرهان الخاسر على الأمم المتحدة

ت + ت - الحجم الطبيعي

جملة من المحطات الزمنية المهمة تنتظر القضية الفلسطينية هذا الشهر، ولعل أهمها هو ما الذي سيعلنه الرئيس الأمريكي ترامب من تفاصيل عن مشروعه المعروف باسم «صفقة القرن»، بعد الانتخابات الإسرائيلية المقررة منتصف هذا الشهر.

طبعاً هذه «الصفقة» ولدت ميتة بسبب الرفض الفلسطيني لها وعدم التجاوب الدولي عموماً معها.

والمحطة الزمنية الأخرى التي تنتظر القضية الفلسطينية هي الاجتماعات المقبلة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي راهنت السلطة الفلسطينية عليها في السنوات الماضية بعد تعثر المفاوضات مع إسرائيل، بهدف تحقيق اعتراف دولي بحق قيام الدولة الفلسطينية وتثبيت وجودها في هذا المحفل الأممي.

لقد نجحت تجربة الأمم المتحدة في العقود السبعة الماضية بأن تكون هيئة إنسانية واجتماعية لمساعدة بعض الدول الفقيرة أو المنكوبة بحروب أو كوارث طبيعية، لكنها لم تكن قادرة على تجاوز طبيعتها التآلفية بين أقطاب متنافسين على العالم وثرواته.

وكانت شعوب العالم الثالث تجد في الاجتماعات الدورية السنوية أو الطارئة للهيئة العامة للأمم المتحدة وكأنها «حائط مبكى» تطرح فيه مشكلاتها وهمومها أمام ممثلي وإعلام العالم كله.

لكن القرار السياسي كان، ولا يزال، في مجلس الأمن وفي حقوق الامتياز التي حصلت عليها الدول الخمس الكبرى من حيث العضوية الدائمة في المجلس، وأيضاً حق النقض (الفيتو) دون أن تعبر هذه الامتيازات بالضرورة عن كتل بشرية كبيرة، أو مواقع قارية وجغرافية، أو حتى عن ثقل اقتصادي أو عسكري كبير مقارنة مع دول أخرى لا تتمتع بحق العضوية الدائمة في مجلس الأمن.

وها هي القضية الفلسطينية ستعود من جديد إلى أروقة الأمم المتحدة، رغم تكرار هذا الأمر عشرات المرات في العقود السبعة الماضية، دون تنفيذ الحد الأدنى من قرارات دولية متعددة بشأن حقوق الشعب الفلسطيني، والذي يعاني بعضه المقيم على أرضه من عسف الاحتلال، وبعضه الآخر من ظلم وقهر اللجوء والتشرد في بقاع العالم لأكثر من سبعين عاماً.

ولماذا تكون هناك آمال ومراهنات على نتائج أفضل من مؤسسة دولية، كانت هي التي شرعت الوجود الإسرائيلي على أرض فلسطين، ولم تُجبر هذا «الوليد الأممي» الجديد على احترام وتنفيذ أي قرارات صادرة عنها!؟

هل العجز عن توفير بدائل فلسطينية وعربية أخرى هو السبب لتكرار المراهنات على دور الأمم المتحدة بينما «رئيس مجلس إدارة» هذه المؤسسة الدولية، دونالد ترامب، يدعم بقوة ما ينشده رئيس الحكومة الإسرائيلية نتانياهو من برامج ضم واستيطان للأراضي العربية المحتلة، بما فيها الجولان والقدس الشريف، ومن إسقاط لحق عودة اللاجئين الفلسطينيين، وهل نفذت إسرائيل أصلاً أي قرارات من الجمعية العامة أو من مجلس الأمن تنصف ولو قليلاً الحقوق الفلسطينية؟!

إسرائيل لم تراهن أبداً في كل العقود الماضية على أي دور للأمم المتحدة، بل المراهنة الإسرائيلية هي الآن على انقسامات وصراعات في الجسم الفلسطيني، وعلى تجزئة دول المنطقة، وحيث تجد إسرائيل مصلحة كبيرة في الأحداث الدموية الجارية في المنطقة وانعكاساتها السلبية على القضية الفلسطينية. وقد عجزت المواقف الأمريكية والأوروبية في السابق عن القيام بضغوطات فاعلة على إسرائيل، فكيف يجوز استمرار المراهنة على هذه المواقف الدولية؟!

ما تحتاجه القضية الفلسطينية هو أكثر مما حدث ويحدث الآن من رفض لمشروع «صفقة القرن» ومن ردود فعل فلسطينية وعربية ودولية على قرار ترامب بشأن القدس وافتتاح السفارة الأمريكية فيها، فلسطين تحتاج الآن إلى انتفاضة فلسطينية شاملة تضع حداً لما حصل في ربع القرن الماضي من تحريف لمسار النضال الفلسطيني.

ومن تقزيم لهذه القضية التي كانت رمزاً لصراع عربي/‏صهيوني على مدار قرن من الزمن، فجرى مسخها لتكون مسألة خاضعة للتفاوض بين «سلطة فلسطينية» في الضفة الغربية وبين «الدولة الإسرائيلية» التي رفضت الاعتراف حتى بأنها دولة محتلة، كما رفضت وترفض إعلان حدودها النهائية.

فالمطلوب فعلاً وحالياً هو وحدة القيادة الفلسطينية ووحدة برنامج العمل على مستوى كل المنظمات الفلسطينية الفاعلة داخل الأراضي المحتلة وخارجها، ففي ذلك يمكن أن يتكامل أسلوب العمل السياسي ومسار التفاوض، مع أسلوب المقاومة الشعبية الشاملة في كل المناطق الفلسطينية.

*  مدير «مركز الحوار العربي» في واشنطن

 

Email