رُؤى عن «المثقّفين العرب»

ت + ت - الحجم الطبيعي

هناك رُؤى خاطئة عن «المثقفين العرب» من حيث تعريفهم أو تحديد دورهم. فهذه الرؤى تفترض أن «المثقفين العرب» هم جماعة واحدة ذات رؤية موحدة بينما هم في حقيقة الأمر جماعات متعددة برؤى فكرية وسياسية مختلفة، قد تبلغ أحياناً حدَ التعارض والتناقض. وتوزيع دور هذه الجماعات لا يصح على أساس جغرافي أو إقليمي، فالتنوع حاصل على معايير فكرية وسياسية.

صحيح أن «المثقفين» هم الجهة المعنية بإصلاح أوضاع الأوطان والأمة عموماً، لكن الانطلاق من فرضية أنهم كتلة عربية واحدة تعيش واقعاً واحداً وتحمل فكراً مشتركاً، هي فرضية خاطئة وتزيد من مشاعر الإحباط والعجز.

إن «المثقف» هو وصف لحالة فردية وليس تعبيراً عن جماعة مشتركة في الأهداف أو العمل. قد يكون «المثقف» منتمياً لتيار فكري أو سياسي يناقض من هو مثقف في الموقع المضاد لهذا التيار، وكلاهما يحملان صفة «المثقف»! فكلمة «المثقف» يمكن استخدامها ككلمة «اللون»، إذ هناك حاجة لوضع كلمة أخرى تُحدد المعنى المطلوب كالقول «اللون الأحمر» أو «الأخضر». لذلك من المهم تحديد صفة «المثقف العربي» المُراد الحديث عن مسؤوليته في إصلاح الواقع وفي بناء المستقبل الأفضل. فهو «المثقف الملتزم بقضايا وطنه أو أمته»، أي الجامع لديه بين هموم وطنه وهموم الأمة من حوله، كما الجمع عنده بين العلم أو العمل، وبين الوعي والمعرفة بمشكلات المجتمع حوله. أي أن «المثقف الملتزم» هو «طليعة» قد تنتمي إلى أي فئة أو طبقة من المجتمع، لكن تحاول الارتقاء بالمجتمع ككل إلى وضعٍ أفضل مما هو عليه.

ومن الأخطاء الشائعة أيضاً، تعريف المثقف بأنه «المتعلم» أو الحائز على لقب «الدكتور»، أو أنه «المعارض» أو «الثائر»... إلخ، بينما حقيقة الأمر أنَ «المثقف» ليس الباحث أو الكاتب أو المتعلم فقط، وليس الرجل دون المرأة فقط، وليس من على الدوام في موقع الرافض أو المعارض أو «الوطني».

وهناك عدد لا بأس به من المثقفين في المنطقة العربية الذين يرفضون الاعتراف أصلاً بالانتماء إلى هوية عربية، وهؤلاء تجوز تسميتهم بـ«المثقفين العرب» وإن كانوا لا يعتقدون أصلاً بالعروبة ويناهضونها فكراً وعملاً!

إذن، إن المسؤولية عن نهضة جديدة لعموم الأمة العربية تقع أولاً على المثقفين العرب الذين يشتركون بمفاهيم فكرية تنطلق أولاً من الاعتقاد بأهمية «الهوية العربية المشتركة»، والذين يتفقون على توصيف الواقع وأسباب مشاكله، ومن ثمَ تكون مسؤوليتهم في وضع رؤية فكرية مشتركة لمستقبل عربي أفضل. عند ذلك، يمكن لهذه الفئة من «المثقفين العرب» أن تساهم في وقف هذا الانحدار الخطير الحاصل في أوضاع الأمة العربية وفي مصير الأوطان معاً.

وإذا كان البعض يعد أن المعرفة السليمة تكون من خلال محاولة البحث عن الحقيقة، فإن دور المثقف الجاد والملتزم يكون بالسعي الدائم لإيجاد تناسق بين هذه المعرفة وبين الواقع، وبالسعي لتغيير هذا الواقع نحو الأفضل.

لذلك من الأجدى دائماً وضع تعريف فكري أو سياسي برفقة صفة «المثقف»، كالقول هذا «مثقف إسلامي» أو عِلماني أو قومي أو ليبرالي.. الخ، وليس اعتماد الحالة الجغرافية كدلالة على المشترك ما بين المثقفين. وما ينطبق على تعريف «المثقفين العرب» يصح أيضاً على المثقفين داخل كل بلد عربي. فالحديث عن «المثقفين اللبنانيين» أو«المصريين».. إلخ، لا يعني وجود توافق فكري أو سياسي بينهم يستوجب منهم عملاً مشتركاً.

أما الحديث بالمطلق عن مسؤولية «المثقفين العرب» والتساؤلات عن غياب دورهم، فهذا غير صحيح وغير واقعي. فهناك «مثقفون عرب» يدافعون الآن عن واقع الحال القائم، كما هناك من يختلف معهم ويناقضهم في الفكر والعمل.

فالضعف هو إذن في حال فئة «المثقفين» المعتقدين فعلاً بالهوية العربية، والرافضين فكرياً وعملياً للفصل بين أهداف تحتاجها الأمة العربية كلها، كالديمقراطية والعدالة والتحرر الوطني والتكامل العربي. الضعف هو في غياب التنسيق والعمل المشترك بين من هم فكرياً في موقع واحد لكنهم عملياً وحركياً في شتات، بل في تنافسٍ أحياناً!.

* مدير «مركز الحوار العربي» في واشنطن

Email