خطابات تحريضية في العاصمة البريطانية

ت + ت - الحجم الطبيعي

من جديد يعود الحديث عن احتضان بعض الدول الأوروبية للإرهابيين الفارين، الذين يفدون إليها بدعوى تعرضهم للاضطهاد والمطاردة في بلدانهم، فتقوم بتوفير الملجأ الآمن لهم فيها، ليقوموا بعد ذلك بمهاجمة الأنظمة الحاكمة للبلدان التي فروا منها وغيرها من البلدان التي تتصدى للإرهاب وتحاربه، حتى أنه لا تسلم من هجومهم الدول التي تؤويهم.

حيث يدفعون أتباعهم لارتكاب أعمال إرهابية فيها. والشاهد على هذا، الخطبتان اللتان ألقاهما في العاصمة البريطانية لندن، يومي العيد والجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك، الإرهابي هاني السباعي الهارب من مصر منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضي.

والذي توفر له السلطات البريطانية ملاذاً آمناً، منذ أن منحته اللجوء السياسي وظل مقيماً فيها، يعمل تحت ستار مركز يدعى «مركز المقريزي للدراسات»، يُموَّل بالكامل من قبل جمعيات قطرية وتركية. ويرتبط السباعي بتنظيم القاعدة في أوروبا، كما أنه محكوم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة في مصر إثر محاولة اغتيال رئيس الوزراء المصري الأسبق عاطف صدقي عام 1993، وبالإعدام غيابياً في قضية «العائدون من ألبانيا» عام 1998.

في الخطبتين المشار إليهما، دعا السباعي صراحة إلى شن هجمات إرهابية على الجيش والشرطة في مصر، وطالب بالإفراج عن الإرهابي هشام عشماوي، الذي سلمه الجيش الوطني الليبي أخيراً إلى السلطات المصرية، والمتهم بارتكاب عمليات إرهابية عدة ضد الجيش والشرطة في مصر قبل أن يهرب إلى ليبيا، واصفاً إياه بأنه «جهادي بارز».

ومن يستمع إلى الخطبتين يتذكر الخطب التي كانت تبثها قناة «الجزيرة» لمؤسس تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن في بداية الألفية الثالثة، من مخبئه في كهوف تورا بورا، بعد القضاء على تنظيم «طالبان» في أفغانستان.

فهي خطب تحريضية بحتة، يوجه السباعي من خلالها رسائل إلى الإرهابيين في مصر والسودان وليبيا، يدعوهم فيها إلى مهاجمة أفراد الجيش والشرطة، واصفاً العاملين في هذين الجهازين الوطنيين بالكفر والخيانة والعمالة والردة والفجور والانحراف والعمل ضد مصلحة الوطن، ويكيل لهما أوصافاً يخجل القلم من ذكرها، ويدعو لقتل رجال الأمن، ويتمنى أن يتفتت الجيش المصري على وجه الخصوص.

والغريب أنه يستشهد لتأييد دعوته هذه بغزوات النبي، صلى الله عليه وسلم، قائلاً إن هذه الغزوات كانت ضد العمومة والخؤولة وأبنائهم، وضد عشيرته، مبرراً بذلك مهاجمة الجيوش الوطنية، التي ينتمي أفرادها إلى أوطانهم، وداعياً إلى إصدار فتاوى بحرمة الالتحاق بهذه الجيوش!

نعود فنذكّر بأن هاتين الخطبتين، والكثير غيرهما، ألقيتا في العاصمة البريطانية لندن، وليس في معسكرات «القاعدة» بأفغانستان أو تنظيم «داعش» بسوريا والعراق وليبيا، وفي مكان عام يرتاده المسلمون المقيمون في بريطانيا، وليس في مخبأ سري، وأنه يتم تسجيلها لترفع على موقع «يوتيوب» وتنشر عبر وسائط التواصل الاجتماعي.

وهي خطابات تحريضية تدعو إلى العنف وقتل رجال الجيش والشرطة في دول عربية تعاني من الإرهاب وتحاربه. فمن هو المستفيد من إتاحة الفرصة لهؤلاء الإرهابيين كي يلقوا مثل هذه الخطب وينشروها، ويروجوا هذا الخطاب التحريضي، الذي يتأثر به من يحمل بذرة هذا الفكر المتطرف، فينطلق لتنفيذ أعمال إرهابية، بعضها في الدول المحتضنة لهؤلاء المحرضين الإرهابيين، والشواهد على ذلك كثيرة؟

ليس هاني السباعي وحده من توفر له بريطانيا مظلة للعمل ونشر فكره المتطرف هذا من داخلها، فهناك أسماء ورموز كثيرة على شاكلة هاني السباعي، وربما أكثر منه تطرفاً، وهناك عدد من قيادات الإخوان الهاربة من مصر وغيرها تتمتع بهذه المظلة، وتتلقى منحاً مالية من الحكومة البريطانية، تستغلها لنشر هذا الفكر. منهم على سبيل المثال لا الحصر؛ طارق عبد الحليم.

وياسر السري، وإبراهيم منير، وأحمد منصور، وعبد الله الحداد، ومحمد سويدان، وسندس عاصم، وعبد الرحمن عز. كل هؤلاء وغيرهم يستظلون بهذه المظلة، ويتمتعون بالدعم والحماية، فهل يمكن أن يفسر لنا أحد هذا، أو يجد لنا سبباً مقنعاً لاحتضان مثل هذه القيادات الإرهابية المتطرفة من قبل دول تدّعي محاربة العنف والإرهاب والتطرف؟

* كاتب إماراتي

 

Email