الاستعداد لصفقة القرن

ت + ت - الحجم الطبيعي

كثر المراسلون الأجانب والسفراء في القاهرة، الذين يبحثون ويتساءلون عن رد الفعل المصري والعربي تجاه «صفقة القرن»، التي سوف تطرحها الولايات المتحدة على دول المنطقة في أعقاب الانتخابات الإسرائيلية المقبلة.

وفي سابقة لم أشهدها طوال حياتي العملية أن البحث والتساؤل يجريان مع تسليم كامل بأن لا أحد يعرف ما هي صفقة القرن على وجه التحديد، اللهم إلا مجموعة من الأحاديث الصحفية، التي أجراها جاريد كوتشنر صهر الرئيس الأمريكي ترامب إلى صحف عربية وإسرائيلية وأمريكية، تحدث فيها عن صفقة شاملة سوف يشعر بعدها الجميع، حتى الفلسطينيون، بالسعادة الغامرة.

وبحكم قاعدة أنه «بضدها تعرف الأشياء» فإننا نعرف بعضاً مما هو ليس في «صفقة القرن»، فالقدس باتت عاصمة موحدة للدولة الإسرائيلية، وبالنسبة للفلسطينيين فإن تعريف المدينة صار «المسجد الأقصى»، الذي من الممكن أن يوضع تحت الإدارة المشتركة للفلسطينيين والأردنيين والإسرائيليين أيضاً.

نعرف أن موضوع اللاجئين الفلسطينيين لم يعد موضوعاً في الصفقة لأن وكالة غوث اللاجئين، التي تمثل مصدر المعرفة عنهم لم يعد، مع باقي مؤسسات الأمم المتحدة وقرارتها جزءاً من الصفقة. ونعرف أيضاً أنه لا شيء حصلت عليه إسرائيل بالفعل من أرض لمستوطنات، أو أرض تعتبرها جزءاً أساسياً من أمنها القومي سوف يكون موضوعاً للتفاوض.

وأخيراً فإننا نعرف أن هناك مكوناً «اقتصادياً» للمشروع يقوم على استثمارات كبيرة سوف يجري توزيعها على الفلسطينيين، وبعض قليل منها على مصر والأردن، المؤكد أنه لا يوجد نقطة واحدة تخص الأراضي المصرية، كما أكدنا في مقالات سابقة، وتشارك مصر في المفاوضات بحكم ثقلها الجيوسياسي في المنطقة، وتاريخها في حل الصراع العربي- الإسرائيلي.

حسناً، وإذا لم يكن هناك «صفقة» معلومة، فعلام يكون الاستعداد إذاً؟ وهل الأجدى أن نتخبط في هواء غير المعلوم، أم الأفضل الانتظار حتى تأتي الولايات المتحدة بمشروعها حتى نعرف الصالح من الطالح؛ وعلى الأغلب فإنه سوف يكون منحازاً لإسرائيل إلى الدرجة، التي تجعل قبول التفاوض فيه توجها غير مأمون، فينفض السامر وتنتهي الصفقة قبل أن تبدأ. ومع ذلك فإن الاستعداد واجب، ولعلي لا أضيف جديداً أن الدبلوماسية المصرية لديها من الخبرة والأدوات ما يجعلها مستعدة دائماً لجولات التفاوض التي لا تنفك كل إدارة أمريكية في البحث عنها.

ترامب ليس استثناء في تاريخ الإدارات الأمريكية، وفي الوقت الراهن فإنه يسير في مفاوضات بالغة الدقة مع كوريا الشمالية لنزع سلاحها النووي، ومع الصين من أجل التجارة. ولولا التحقيقات الجارية في الولايات المتحدة عن الدور الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016 والتي تمس الرئيس شخصياً لكان ترامب مع بوتين في مقدمة المتفاوضين حول قضايا كثيرة سواء كان أوكرانيا أو سوريا. كان هذا ما نوه عنه ترامب أثناء حملته الانتخابية، فإذا ما ظهرت نتيجة التحقيقات، ولم تكن صارمة الاتهام، فإن أبواب التفاوض مع موسكو سوف تكون مفتوحة.

هناك شيء ما قادم لا شك فيه، ولكن قضيتنا ليس التفاوض عليه، وإنما أن يكون استعدادنا قائماً أولاً على المشروع العربي الخاص بالسلام في المنطقة الذي يقوم على المبادرة العربية في عام 2002 وما لحقها من تأكيد.

المسألة هنا ليست تحديد ما نقبله وما نرفضه في العرض الأمريكي، وإنما أن يكون هناك عرض عربي خالص ومحدد يترجم المبادرة العربية إلى خطوات محددة يتعامل مع الحقائق ليس فقط الجغرافية المتعلقة بالحدود، وإنما أيضاً الديموغرافية المتعلقة بالبشر الفلسطينيين منهم والإسرائيليين.

وما بين نهر الأردن والبحر المتوسط يوجد 12 مليون نسمة نصفهم من اليهود والنصف الآخر من الفلسطينيين الذين يوجد منهم مليون وستمائة ألف فلسطيني داخل الخط الأخضر.

ورغم العداء والكراهية المتبادلة، فإن الجانبين يعتمدان على عملة واحدة، ونظام جمركي واحد، وسياسات أمنية واحدة، وسوق عمل واقتصاد مشترك. ثانياً: المفاوضات ليست جديدة على المنطقة، وكثيراً منها جرى طوال العقدين الماضيين، وهناك اتفاقات جرت بالفعل بين القيادة الفلسطينية والأخرى الإسرائيلية، وهذه في مجموعها تشكل إطاراً للتسوية يوافق عليه الطرفان سواء في إقامة الدولة للفلسطينية أو تبادل الأراضي.

مثل هذه التوافقات ينبغي لها أن تخرج للعلن، فلعلها تشكل الفرصة الحقيقية لإقامة الدولة الفلسطينية. وثالثها أن الجانب العربي (مصر والسعودية والأردن وفلسطين) يمكنه لحل الكثير من القضايا المعلقة بحث قيام دولة كونفدرالية تضم فلسطين وإسرائيل معاً بدلاً من وجود دولة واحدة واقعة بالفعل وواقعياً وتحكمها إسرائيل بين نهر الأردن والبحر المتوسط. هذا المدخل يعطي للفلسطينيين دولتهم، ولإسرائيل دولة يتمتع فيها اليهود بالأغلبية وهو مطلب إسرائيلي دائم.

Email