واقع الإعلام ومستقبله

ت + ت - الحجم الطبيعي

رغم الهجمة العنكبوتية، وغزوة المعلومات المفبركة، وقوة المؤثرين والمؤثرات الافتراضية، يبقى الإعلام وإن خفت أو وهن أو اضطر للرجوع خطوة إلى الوراء هو الأصل.

فهو كما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله: «الإعلام يملك قوة الكلمة.. وحسن توظيفها لإحداث أثر إيجابي يلمسه المجتمع ويعيشونه واجب وأمانة».

والأمانة التي شهدها الحضور ولمسها الملايين التي تابعت فعاليات الدورة الـ18 في «منتدى دبي للإعلام» الذي انعقد في دبي يومي 27 و28 مارس الجاري تشير إلى أن الإعلام العالمي عمومًا، والعربي على وجه الخصوص، يمران بمرحلة بالغة الصعوبة. فالأوضاع السياسية، لا سيما في المنطقة العربية، بالغة التعقيد، وجهود استمرار الفوضى «الخلاقة» لم تتوقف، وآثار تنظيمات جماعات الإسلام السياسي مازالت تنخر سوسًا في قلب عدد من دول المنطقة.

كما أن جانبًا من المحتوى الإعلامي ما زال مثقلاً بكم لا يستهان به من خطاب التحريض ومحتوى الكراهية. ومستقبل الصحف لم يعد وحده المهدد بالخطر، بل انضم له قنوات التلفزيون وقبل هؤلاء وأولئك جموع الصحافيين والإعلاميين المهنيين الذين يجدون أنفسهم مهددين من قبل جموع مؤثري ومؤثرات الـ«سوشيال ميديا» التي تأكل أخضر الفضائيات ويابس الصحف.

ومع الـ«سوشيال ميديا» أو مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من مواقع تقول عن نفسها إنها خبرية لكنها في واقع الحال «خبرية مغلوطة» أو «خبرية كاذبة»، يأتي فضاء هائل كامل من الأخبار الكاذبة، منها ما يحمل كراهية وتحريضًا، ومنها ما يبث سم الفبركة في عسل الأخبار العاجلة والحصرية.

«واقع الإعلام العربي» و«الإعلام والسياسة: تكامل أم تنافس؟» لم يكونا مجرد جلستين نقاشيتين في محاولة لفهم المشهد، لكنهما طرحتا المزيد من الأسئلة حول وضع الإعلام العربي الآني، وجاهزيته للمستقبل.

المستقبل الذي بدأ أمس في دبي تحدثت عنه رئيسة نادي دبي للصحافة رئيسة اللجنة التنظيمية للمنتدى منى غانم المري التي أشارت إلى الثورة الصناعية الرابعة التي يتأهب العالم لاستقبالها، والتي اتخذت الإمارات التدابير اللازمة لتحقيق الريادة فيها، وذلك بمشروعات ومبادرات وبرامج مستقبلية طموحة«. وأصابت المري كبد الحقيقة حين أشارت إلى أن وضع تصورات موضوعية لمستقبل الإعلام لن يستوي إلا بمراجعة دقيقة لواقع الإعلام العربي، ومدى توافقه وما يقدمه مع ما يتطلع إليه الناس.

وما يتطلع إليه الناس بكل تأكيد هو حياة أفضل تعتمد على أخبار غير كاذبة ومعلومات غير مغلوطة وحقائق غير مفبركة، لا سيما في ظل الأوضاع الحالية التي تمر بها المنطقة. صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حين شدد على أن الإعلام يتحمل مسؤولية أساسية في تعزيز قدرة المنطقة على التعاطي بشكل إيجابي مع التحديات الراهنة التي ألمت بالمنطقة واكتشاف الحلول التي يمكن من خلالها تخطي تحديات عرقلت مسيرة التطوير والتنمية في المنطقة وضع يده على الداء والدواء. والدواء لن يثبت فعاليته إلا لو نجح في المساهمة في»بناء الإنسان وتزويده بالأدوات التي تعينه على إنجاز ما تصبو إليه شعوبنا العربية من إنجازات ونجاحات«، كما أكد سموه.

بناء الإنسان العربي، لا سيما في ظل الظروف الراهنة، لا يمكن أن يكتمل دون مواجهة طوفان التحريض والكذب والفبركة الموجود في وسائل عدة، بعضها تقليدي والبعض الآخر عنكبوتي. وهذه المواجهة ليست مجرد حجب أو منع أو عقاب، لكنها أيضًا بناء وعي المتلقي واستمرار تدريب الصحافي والإعلامي ودعم المؤسسات المهنية، وكذلك التواصل مع هذا العالم العنكبوتي الذي ليس كله شر وكذب، بل هو منصة ثرية للتواصل والاتصال لا سيما مع المستقبل، ألا وهو شباب العرب.

«بودكاست البيان»، هذه الخدمة الصوتية الجديدة التي أعيد إطلاقها بشكل متطور مواكب للعصر أثناء فعاليات «منتدى الإعلام العربي»، هي خطوة حقيقية في مسيرة التطوير الرقمي والتي بدأتها صحيفة «البيان» قبل ثلاث سنوات، والتي شملت «الذكاء الصناعي» و«الواقع المعزز» والفيديو. هذه الوسائط المختلفة تخاطب شرائح مختلفة من المتلقين الذين لا يمكن بقاؤهم خارج المنظومة الإعلامية إن أردنا صناعة وعي حقيقي وإشراك الجميع في مشهد إعلامي قادر على بناء الإنسان العربي. رئيس التحرير المسؤول منى بو سمرة أيقنت هذه الحقيقة. وهي حين تقول إن الصحيفة عملت خلال الفترة الماضية على تنويع الوسائط للتواصل مع الجمهور، فهي بذلك استهدفت فعليًا شرائح جديدة، مستفيدة من التطورات والتقنيات الرقمية في مجال الإعلام الحديث.

شعار «فضاء بلا حدود» إذن الذي رفعته «البيان» للرمز إلى تجربة الصحيفة الرائدة في مجال الإعلام الرقمي لم يكن مجرد شعار، بل خطة جار تنفيذها، والشباب هدفها.

والحديث عن الشباب والإعلام ومنتداه الأشهر لا يكتمل دون التطرق إلى ما تواجهه المنطقة العربية من تهديدات – مازالت مستمرة جراء التطرف والعنف القائم على التشدد الديني. وحين أشار صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد إلى دور الخطاب الإعلامي المتوازن والأفكار البناءة في أن تكون سلاح الإعلام في مواجهة التطرف، فإنه بذلك أعاد تذكرة كل من يعمل في هذا المجال بحجم المسؤولية، التي لم تعد مجرد بث لخبر أو نقل معلومة، بل أصبحت محورية في إعادة بناء طال انتظارها. شعار الدورة الـ (18)(الإعلام العربي: الواقع والمستقبل) بالفعل اسم على مسمى.

* كاتبة صحفية

Email