روسيا ومبادرة 4x30

ت + ت - الحجم الطبيعي

لأول مرة تتهم روسيا الولايات المتحدة بإرسال قاذفات قنابل أمريكية استراتيجية من طراز «بي-52» القادرة على حمل رؤوس نووية عبر بحر البلطيق إلى مدينة سان بطرسبرغ، وهو أبعد مدى تصل إليه هذه الطائرات التي تنطلق من القواعد البريطانية.

وتتهم روسيا حلف شمال الأطلسي بنقل قواعده «إلى أحضان» حدودها، فيما تقول واشنطن وبعض الأوروبيين إن هدفهم هو مواجهة «الجحافل الحمراء» الروسية، فهل نحن أمام سباق تسلح نوعي بين واشنطن وموسكو تكون أوروبا الساحة الأكبر له في ظل حشد أمريكي - أوروبي من ناحية، وأسلحة فتاكة روسية من ناحية أخرى؟ وما هي خيارات موسكو لوقف الزحف الأمريكي صوب حدودها الغربية؟ وهل من حسابات دقيقة لهذه التحركات أم أن أخطاء اندلاع حرب نووية تبقى قائمة؟

المؤكد أن الولايات المتحدة ومعها حلف الناتو من جانب، وروسيا من جانب آخر، تعملان بنظرية «حافة الهاوية»، فما يحدث في أوروبا من حشد عسكري وحشد مضاد غير مسبوق يهدد بمخاطر غير مسبوقة على الأمن العالمي لعدد من الأسباب منها:

أولاً: مخاطرة القاذفات الأمريكية من طراز بي-52 بالوصول حتى 200 كيلومتر فقط من أجواء العاصمة التاريخية لروسيا سان بطرسبرغ دفع روسيا لإرسال مقاتلتين من طراز سوخوي (إس.يو 27) لاعتراض القاذفات الأمريكية وهو ما يهدد باحتكاكات قد تنطوي على أخطار إذا تكررت مثل هذه الأحداث، خاصة أن الولايات المتحدة قالت إن الطلعات الأمريكية كانت «محاكاة لعملية قصف» وفق بيان للسفارة الأمريكية في بولندا، الأمر الذي دفع روسيا لإرسال قاذفات قادرة على حمل قنابل نووية لشمال بريطانيا ووصلت في بعض الأحيان إلى ولاية ألاسكا الأمريكية.

ثانياً: تعهد «الناتو» بتنفيذ المبادرة الأمريكية «4x30»، حيث تعهدت دول حلف الأطلسي بأن تكون قادرة بحلول عام 2030 على أن تنشر في غضون 30 يوماً، 30 كتيبة آلية و30 سرب طائرات و30 سفينة مقاتلة لتتمكن من مواجهة عملية عسكرية لروسيا التي تعتبر مهاجماً محتملاً، وشرع الحلف في بناء خمس قواعد جديدة له في رومانيا وببولندا ودول بحر البلطيق الثلاث استونيا ولاتفيا وليتوانيا، ومن المنتظر أن تتواجد بشكل دائم داخل كل قاعدة من القواعد الخمس قوة يتراوح قوامها بين 300 و600 جندي من الدول الأعضاء.

ثالثاً، إحياء دور قاعدة «رامشتاين» في ألمانيا باعتبارها أكبر قواعد واشنطن في أوروبا، والتي كانت خلال «الحرب الباردة» قاعدة متقدمة للمواجهة مع الاتحاد السوفييتي، وعلى الجانب الروسى نشرت موسكو ما يسمى بـ«المجموعة الروسية» المكونة من 100 ألف عنصر والتي توصف بأن تحركاتها أسرع في المناورة بكثير من جيش الناتو إذا ما حاولت واشنطن والناتو مباغتة روسيا.

رابعاً: إعلان واشنطن وموسكو تعليق العمل باتفاقية «معاهدة القوات النووية المتوسطة»، التي تعرف اختصاراً «إيه إن إف»، التي وقعها الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة عام 1987، والتي تدعو للحد من الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى في أوربا، وتدمير كافة منظومات الصواريخ، التي يتراوح مداها المتوسط ما بين 1000 - 5500 كيلومتر، ومداها القصير ما بين 500 - 1000 كيلومتر،، وبموجب هذه الاتفاقية تم التدمير الفعلي لما يقرب من 1728 صاروخاً روسياً و800 صاروخ أمريكي.

خامساً: هناك من يعتقد أن الولايات المتحدة تهدف إلى جر روسيا إلى سباق تسلح تستنزف فيه الاقتصاد الروسي مما يؤدي لانهيار الاتحاد الروسي على غرار انهيار الاتحاد السوفييتي الذي تم استنزافه في حروب ونفوذ بعيد عن أراضيه وأدى لانهياره في النهاية، لكن على الولايات المتحدة أن تدرك أن روسيا الآن أفضل حالاً من الاتحاد السوفييتي السابق، كما أن اندفاعاتها العسكرية وإنفاقها على التسليح أقل بكثير من الولايات المتحدة التي تنفق 750 مليار دولار في ميزانية 2018-2019 وأقل من الصين التي أنفقت 227 مليار دولار طبقاً لميزانية 2017، أما روسيا أنفقت فقط حوالي 75 مليار دولار عام 2017، لكن من المؤكد أن الخطوات الأمريكية ستحفز روسيا لمزيد من الإنفاق في الفترة القادمة، خاصة أن مسؤولين عسكريين روساً حذروا من أن الخطوات الأمريكية يجب الرد عليها.

Email