دلالات زيارة البابا إلى الإمارات

ت + ت - الحجم الطبيعي

الإمارات مقصد الجميع من ساسة ودبلوماسيين ورجال ونساء أعمال، وسياح وموظفين وعمال منذ أمد، ولكن زيارة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية إلى الإمارات تحمل معاني كبيرة، وتأتي تتويجاً لمسيرة تاريخية من الانفتاح والتسامح مع الآخر. وكثيراً من الناس لا يعلمون أن مجتمعات ساحل الخليج العربي كانوا منفتحين عبر التجارة على بلدان العالم، وكان اللؤلؤ الخليجي يباع في أسواق الهند وباريس ونيويورك.

وقد قدمت الإمارات وثيقة إنشاء أول كنيسة كاثوليكية، تعود للعام 1963 هدية للبابا أثناء الاستقبال الرسمي، وتدلل الوثيقة على أن التسامح الديني سبق تأسيس الدولة وليس بمسألة طارئة. وقد أنشئت أول جمعية مسيحية في 1968 بعد ثلاث سنوات من تدشين الكنيسة الكاثوليكية في أبوظبي.

وكما أشارت الصحف العالمية فإن الإمارات تحتضن 45 كنيسة، ومعابد لأتباع الديانات الأخرى. ويستطيع أتباع هذه الديانات ممارسة عقائدهم بشكل علني وبحرية. وتحتفي الأسواق والأماكن العامة بمقدم أعياد دينية لهذه الجاليات المقيمة في الدولة.

ونرى في هذا كله صيرورة تاريخية لمدى التسامح الموجود في هذه البلاد، والتي أدت إلى تكوين اتحاد بين إمارات كانت بالأمس القريب متفرقة.

وكانت هذه الروح السائدة بين عموم الشعب والقادة مفتاحاً لما تحقق من وئام بين هذه الإمارات المتعددة. وليس الرخاء مصدراً لهذا التعايش، بل إن الرخاء والاستقرار في هذه الدولة هما نتيجة لهذه الروح المتسامحة بين 200 جنسية من العالم متواجدة في الدولة.

وقد شملت هذه الروح ليس دولة الإمارات فحسب، ولكن أيضاً الإقليم ككل، فقد شهدت أبوظبي تشييد أول تجمع إقليمي بين دول الخليج العربي في العام 1981.

ورغم كل ما شهدته المنطقة من حروب وأزمات وغزو خارجي، إلا أن مجلس التعاون لدول الخليج العربي لا يزال صامداً وقائماً ما أقام عسيب، وهذا دليل آخر على أن أبوظبي عاصمة الإخاء والتسامح والانسجام.

ولا غرو أن «وثيقة الأخوة» والتي شهدها فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف وقداسة البابا فرنسيس وقّعت في أبوظبي.

وقد جاء فيها دعوة للإخاء بين جميع أتباع الديانات وبين المؤمنين وغيرهم ونشر المودة وتسامح بين جميع الطوائف ونبذ العنف والتعصب. واختتمت بالقول: «لتكن هذه الوثيقة دعوة للمصالحة والتَّآخي بين جميع المؤمنين بالأديان، بل بين المؤمنين وغير المؤمنين، وكلِّ الأشخاص ذوي الإرادة الصالحة».

ولا شك في أن هذه الوثيقة ستكون من أهم الوثائق التاريخية والتي سيكتب عنها المؤرخون اللاحقون أنها الوثيقة التي أنقذت البشرية من براثن التعصب والعنف والشقاق في القرن الحادي والعشرين. وأنها وضعت كوابح للانحدار إلى حرب كونية عنوانها العريض الدين وتفاصيلها الجشع والطمع والتسلط.

وكما تؤكد الوثيقة «إنَّ التاريخَ يُؤكِّدُ أنَّ التطرُّفَ الدِّينيَّ والقوميَّ والتعصُّبَ قد أثمَرَ في العالَمِ، سواء في الغَرْبِ أو الشَّرْقِ، ما يُمكِنُ أن نُطلِقَ عليه بَوادِر حرب عالميَّة ثالثة على أجزاء».

وليس من المبالغة القول إن «وثيقة الأخوة» ترقى في أهميتها إلى وثيقة «العهدة العمرية».

وقد تعهد أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب لأتباع الديانة المسيحية في القدس في عام 638 للميلاد إذ «أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم وسقمها وبريئها وسائر ملتها، أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينقص منها ولا من حيِّزها ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكرهون على دينهم، ولا يضارّ أحد منهم».

ولا يكفي الشجب والاستنكار لعمليات العنف والإرهاب والذي يقوم به بعض المتطرفين باسم الإسلام بل الواجب اتخاذ خطوات إيجابية كهذه الوثيقة، للتأكيد على أن الإسلام دين السلام والتعايش والاحترام المتبادل بين كل المؤمنين مهما اختلفت مشاربهم وعنصرهم ودياناتهم ومذاهبهم.

وقد جاء في الذكر الحكيم: «لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ»

هذا قدر دولة الإمارات أن تلعب دوراً ناظماً للعلاقات البشرية في الإقليم والعالم على أساس من الأخوة والوئام بين الجنس البشري. إن خلق قيم التسامح والإخاء بين بني البشر أهم ضامن للأمن والاستقرار في بلدان العالم أكثر من الجيوش الجرارة والأسلحة الفتاكة.

يحتاج العالم إلى هكذا لقاءات وإلى هكذا اجتماعات وإلى هكذا شخصيات مثل الإمام الأكبر والحبر الأعظم ودعم من دولة حريصة على هذه المبادئ، والتي أسست وزارة للتسامح ووزارة للسعادة.

آن الأوان، كما قال مفوض لجنة الولايات المتحدة للحريات الدينية الدولية، لأن تلتفت لجنة نوبل للإمارات، لأن دولة الإمارات هي تجسيد لمقولة الخليفة الرابع علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، «الناس صنفان: أخ لك في الدين، ونظير لك في الخُلُق».

 

 

Email